قاض متقاعد يقارب المواجهة المفتوحة بين وزارة العدل واصحاب البذل السوداء

الانتفاضة

في إطار الدعوة الى التوقف عن تقديم المساعدات القانونية والقضائية أمام المحاكم والجلسات الموجهة من قبل جمعية هيئات المحامين بالمغرب احتجاجا على غياب الحوار عند إعداد مشروع قانون المسطرة المدنية..

واستنادا إلى مقتضيات المادة 39 من قانون مهنة المحاماة التي تمنع مثل هذه الدعوة والتي تنص على ما يلي:

“لا يجوز للمحامين في كل الأحوال أن يتفقوا متواطئين فيما بينهم، على أن يتفقوا كلية عن تقديم المساعدات الواجبة عليهم إزاء القضاء، سواء بالنسبة للجلسات أو الاجراءات”..

وتجب الإشارة في هذا المضمار إلى أن هيئة الدفاع تعتبر من فئة مساعدي القضاء.”، بل وحسب المادة الأولى من قانون المهنة فهي جزء من أسرة القضاء.

وبمقتضى هذه الصفة فهذه الهيئة تدبر مرفقا عموميا حيويا والذي تحض كل الصكوك والنصوص على المحافظة عليه وتضمن سيره الطبيعي والمستمر، ومن جهة أخرى تضطلع بدور النيابة وتمثيل الأشخاص أمام القضاء، وتخضع في هذا المجال لأحكام الوكالة طبقا للفصل 879 من قانون الالتزامات والعقود والذي عرفها بما يلي:

“الوكالة عقد بمقتضاه يكلف شخص شخصا آخر بإجراء عمل مشروع لحسابه..إلخ”..

وكذا الفصل 903 من نفس القانون الذي تضمن ما يلي:

“على الوكيل أن يبذل في أدائه المهمة التي كلف بها؛ عناية الرجل المتبصر، حي الضمير، وهو مسؤول عن الضرر الذي يلحق الموكل نتيجة انتفاء هذه العناية…إلخ”..

فالتوقف عن تقديم المساعدة القانونية والقضائية من قبل المحامين؛ كمظهر من مظاهر الاحتجاج، فهو أسلوب ينطوي على تداعيات جد وخيمة وخطيرة تمس بحسن سير العدالة وتستهدف بكيفية صريحة ومباشرة حقوق الموكلين من جراء الاستنكاف عن القيام ببعض الإجراءات القانونية والقضائية القاطعة مثلا لأمد التقادم أو عدم ممارسة الطعون ضمن الآجال المحددة لها قانونا، أو الامتناع عن تقديم المذكرات والمستنتجات اللازمة التي تفرضها بعض الأحوال عبر مسار الدعوى ناهيك عن المرافعات الشفوية التي قد تكون حاسمة في تعزيز حق الدفاع المخول للأطراف..

والى غير ذلك من الأدوار الجوهرية التي يضطلع بها المحامون في مختلف المساطر القانونية والقضائية والتي رتب عليها المشرع عند الإخلال بها إمكانية التجاء الموكل المتضرر إلى المطالبة بالتعويض عن الضرر طبقا للفصل 903 السالف الذكر.

ولذلك التجأ المشرع إلى سن المقتضيات التي تضمنتها المادة 39 من قانون مهنة المحاماة المشار إليه اعلاه؛ صونا لحقوق الأطراف، وقطعا لدابر كل الأغراض والنزعات التي يصبح بموجبها التوقف عن تقديم المساعدات القانونية والقضائية مطية لها..

وذلك انسجاما مع الصيغة العامة والمطلقة الواردة في المادة 39 السالفة الذكر التي تشمل الامتناع عن تقديم المساعدة في كل الاحوال..

فالإشكال القانوني المطروح يتجلى أساسا في الكيفية التي يمكن بمقتضاها ترتيب الجزاء القانوني والبت تأديبيا بصورة ابتدائية من قبل مجالس الهيئات طبقا للمادة 67 وما يليها من قانون المهنة إن كانت هذه المجالس هي نفسها منخرطة وضالعة في الدعوة إلى هذا التوقف..

وهي مناسبة ربما قد تدفع المشرع الى التفكير مليا في إيجاد صيغ قانونية بديلة لحل مثل هذا الإشكال..

فعوضا عن نهج أسلوب الاحتجاج عن طريق التوقف عن تقديم المساعدة القانونية والقضائية يمكن البحث عن أساليب أخرى وآليات أخرى أكثر نجاعة تسمح بسماع موقف هيئة الدفاع من خلال فتح ورشات علمية متراصة الصفوف من ذوي الكفاءات والاختصاص توضح بشكل جلي أهم المحطات والموضوعات التي تحتاج الى تعميق المزيد من التأمل والتفكير والتمحيص في إطار فضيلة الحوار الهادئ والرصين والمشبع بقيم المجادلة الحسنة واعتماد قوة الحجة والاستدلال..

مما يدفع نحو إعادة النظر بإدخال تعديلات في ضوء الخلاصات التي توقف عندها النقاش..

التعليقات مغلقة.