الانتفاضة // ايوب الرضواني
رشقُ مواطنين غاضبين لملك إسبانيا بالطين والبيض خلال زيارته لمناطق أُعلنت منكوبة في إقليم فالنسيا مشهد آثار دهشة وإعجاب شعوب مُتخلفة تُقدس حكامها، متجاوزة حد الاحترام لما يُقارب التأليه.
شعوب فتحت فمها دهشة وغِبطة وهي ترى غضب محكومين من حاكم يتقاضى راتبه من ضرائبهم، حتى وإن ورث مكانته، وحتى وإن لم يكن يحكم بل فقط يسود: هو رمز لدولة يعتبرها المحتجون مُقصرة في خدمتهم.
في جمهوريات ودول الموز (بنانِستان) يكفي كتابة تعليق تافه أو منشور بسيط مباشرة أو مشاركة، ليجد المواطن نفسه: أولا، متهما من زبانية وذُباب ودبابير بالخيانة والعمالة واللاّوطنية والتجسس لصالح جزر الوقواق.
وثانيا، مُتابعا من سلطات بتهمة خلق السيدة (بُلبُلة) وتعكير صفاء الشخير العام وإزعاج الساهرين…وغيرهم الكثير من تهم باقية وتتمدَّد!
“خُضوع” الملك لإرادة شعبه والإنصات لمعاناته ليس بجديد عن الثقافة الإسبانية، فيوم 18 أبريل 2012 قدَّم الملك الأب خوان كارلوس اعتذارا لشعبه عقب تسريب خبر قيامه برحلة صيد للفيلة بتنزانيا في عز أزمة البلاد الاقتصادية: “إنني آسف للغاية، لقد ارتكبت خطأ، وهذا لن يتكرر مجددًا” خاطب العاهل مواطني بلاده بما ماعناه: سمحو لي والله ما باقي نعاود!
غشت 2020، غادر الملك الأب خوان كارلوس إسبانيا (تنازل عن الحكم بتاريخ 18 يونيو 2014) على إثر تداعيات ل”فضيحة” اتهامه بتلقي 100 مليون دولار من السعودية، مقابل قيامه بوساطة لإبرام صفقة إنشاء خط القطار الرابط بين مكة والمدينة، بعد فتح العدالة تحقيقات في تسريبات نسبت لعشيقته عام 2018. (شوف معي مكة والمدينة والتداوُر….عالم دوك الناس!!).
خوان كارلوس وضع نفسه تحت تصرف العدالة قبل مغادرة البلاد، فيما “عاقبه” الملك فيليب السادس بحرمانه من مخصصات سنوية بقيمة مئتي ألف يورو.
ماليا، تخضع ميزانية العائلة الملكية في إسبانيا لرقابة الحكومة، تُفحص من مكتب خارجي، تصادق عليها مصلحة الضرائب وتُنشر تفاصيلها للعامة منذ 2016، حين بلغت (الميزانية) سبعة ملايين و775 ألف يورو، صرف منها الملك (الإسباني) مبلغ 7 ملايين و578 ألف يورو، وحقق فائضا بقيمة 177 ألف أورو.
معرفة الحُكام لحدودهم، وأنهم في خدمة وتصرف الشعب لاالكعس، ليس حكرا على إسبانيا، بل يوجد في كل دول العالم المتحضر. في بريطانيا مثلا، يكتب رئيس أو رئيسة وزراء البلاد الخطاب الذي يلقيه الملك(ة) أمام الأمة أو نائب عنه داخل قبة البرلمان، وتملك المحكمة العليا الحق في إبطال قرارات الملك(ة) كما حدث يوم عطَّلت الملكة إليزابيث عمل البرلمان نهاية شتنبر 2019 بنصيحة من رئيس الوزراء بوريس جونسون، أسابيع قبل مغادرة البلاد للاتحاد الأوروبي.
التعليقات مغلقة.