الفقر المدقع والأرقام التي تثير الهلع

الانتفاضة – متابعة

575 مليون شخص، أي 7 بالمائة من سكان العالم، سيعيشون في فقر مدقع بحلول العام 2030 في حال لم يتم تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة. كما أن ثلث البلدان فقط سيتمكن من خفض مستويات الفقر الوطني إلى النصف بحلول هذا الموعد.

هذا التحذير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة، يبرز استفحال هوة الفقر التي تذكيها الأزمات العالمية، بدءا بتداعيات جائحة كوفيد ووصولا إلى الحروب المستعرة في عدد من مناطق العالم، مرورا بتبعات التغير المناخي وانعدام الأمن الغذائي التي تلقي بثقلها على العديد من البلدان.

في أحدث تقاريره، نبه البنك الدولي إلى أن القضاء على الفقر الذي يطال قرابة نصف سكان العالم – من يعيشون على أقل من 6.85 دولارات في اليوم للفرد الواحد- قد يستغرق أكثر من قرن من الزمان في حال استمر العمل بالوتيرة البطيئة ذاتها التي نشهدها اليوم.

وحسب الإحصائيات الصادرة عن المؤسسة المالية الدولية، يعيش ما يناهز 700 مليون شخص (8.5 بالمائة من سكان العالم) في فقر مدقع، أي بأقل من 2.15 دولار في اليوم للفرد الواحد.

من أجل بث دينامية جديدة في تفعيل هذا الهدف، تبنت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، في شتنبر الماضي، ميثاق المستقبل، الصادر عن القمة الأممية المنعقدة بمناسبة الدورة السنوية الـ79 للجمعية العامة الأممية، التزمت فيه على الخصوص بجعل القضاء على الفقر في صلب جهود تنفيذ أجندة 2030.

إذ على الرغم من أن الفقر المدقع انخفض بشكل ملحوظ خلال العقود الأخيرة، إلا أن معطيات الأمم المتحدة تشير إلى أن جائحة كوفيد-19 شكلت نقطة تحول أدت إلى عكس اتجاه هذه المكاسب، مذكرة بأن عدد الأشخاص الرازحين تحت وطأة الفقر المدقع ازداد لأول مرة منذ جيل بنحو 90 مليون شخص مقارنة بالتقديرات السابقة.

واستجابة لأزمة تكلفة المعيشة التي تشهدها العديد من بلدان العالم، نتيجة ارتفاع مستويات التضخم وانعدام الأمن الغذائي نتيجة الصراعات في عدد من مناطق العالم، كانت 105 دول ومناطق أعلنت عن ما يقرب من 350 إجراءا للحماية الاجتماعية، بين فبراير 2022 وفبراير 2023.

في رسالته بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على الفقر، يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أنه يتعين على المجتمع الدولي تنفيذ كافة بنود ميثاق المستقبل، من خلال دعم برامج إنعاش أهداف التنمية المستدامة وإصلاح النظام المالي الدولي، بغية مساعدة البلدان النامية على الاستثمار في سكانها.

ومن أجل القضاء على الفقر العالمي وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، يعتبر غوتيريش أنه يتعين على الحكومات إنشاء مؤسسات وأنظمة تضع الناس في صلب مبادراتها.

كما أكد على أهمية الاستثمار في العمل اللائق، والتكوين المهني، والحماية الاجتماعية، باعتبارها نقاط انطلاق حقيقية من أجل الخروج من براثن الفقر.

ويلاحظ غوتيريش أن الفقر، الذي يعد آفة عالمية تؤثر على مئات الملايين من الناس في جميع أنحاء الكوكب، لا يعد حتمية، موضحا أنه ينجم عن الاختيارات التي تتخذها، أو لا تتخذها، المجتمعات والدول.

تكتسي ظاهرة الفقر أبعادا متعددة. وسيتم هذه السنة، تسليط الضوء على أحد أبعادها الخفية، المتمثل في سوء المعاملة الاجتماعية والمؤسساتية التي يعاني منها الأشخاص في وضعية الفقر.

إذ يتعرض الأشخاص الذين يعانون أصلا من الفقر، من الوصم والتمييز المجتمعي، مما يفرز بيئة سلبية تتفاقم نتيجة الإساءة المؤسساتية، من خلال السياسات والممارسات التمييزية، التي تحرم الناس من حقوقهم الإنسانية الأساسية (مثل الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والسكن والحق في الحصول على الرعاية الصحية).

وإذ وبالرغم من المستويات غير المسبوقة التي تعرفها التنمية الاقتصادية والوسائل التكنولوجية والموارد المالية في العالم، فإن استمرار معاناة ملايين الأشخاص من الفقر المدقع تطرح أسئلة أخلاقية عميقة، وتسائل المنتظم الدولي بشأن الحاجة الماسة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء التفاوتات والتهميش، وضمان تكافؤ الفرص للجميع.

من جانب آخر، تلقي الظواهر المرتبطة بالتغير المناخي بظلالها على الجهود المبذولة للقضاء على الظاهرة. إذ تؤدي الكوارث الطبيعية التي أضحت أكثر تواترا، سنويا، إلى سقوط ملايين الأسر في براثن الفقر، نتيجة خفض الإنتاجية وإضعاف النمو الاقتصادي، لاسيما في أفقر مناطق العالم.

ومن خلال تخليد اليوم الدولي للقضاء على الفقر، ستؤكد المنظمة الدولية متعددة الأطراف على أهمية التضامن العالمي والحاجة إلى سياسات شاملة تروم إدماج المجتمعات المهمشة وضمان تكافؤ الفرص للجميع.

كما يشكل هذا اليوم الدولي مناسبة لدعوة المنتظم الدولي إلى اتخاذ إجراءات عالمية عاجلة لإصلاح الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تساهم في استفحال عدم المساواة، وبلورة استراتيجيات كفيلة بالقضاء على الفقر بمختلف أبعاده وصيانة الكرامة الإنسانية.

 

التعليقات مغلقة.