عدوى وسائل التواصل الاجتماعي

الانتفاضة // محمد المتوكل

عرف المغرب كغيره من بلدان المعمور، تنامي ظاهرة وسائل التواصل الاجتماعي، والتي رغم انها جعلت للتواصل ونشر الفضيلة والقيم والاخلاق الحميدة الا ان هذه الوسائل حادت عن اهدافها 180 درجة بسبب الاستعمال السيئ لهذه الوسائل وخاصة من قبل فئة من الشباب الي جعل من هذه الوسائط وسائل لنشر الرذيلة والقضاء على القيم ونبذ الاخلاق.

وفي هذا السياق فقد مرت على انتشار الظاهرة المعروفة إعلاميا بـ”روتيني اليومي” عبر منصات التواصل الاجتماعي أزيد من أربع سنوات، ومنذ ذلك الوقت وعين الباحثين في علم النفس وعلم الاجتماع خاصة، على المواقع الافتراضية كمجال جديد للدراسات السيكولوجية والاجتماعية لتشخيص الواقع انطلاقا من المواقع، لاسيما أمام التحديات التي يفرضها استخدام التكنولوجيا الحديثة وتأثر حياة الإنسان بها.

ويظل في الوقت الراهن تطبيق “التيك توك” من التطبيقات المثيرة للجدل والموصفة بـ”الخطيرة”، سيما بعد انتشار “الدعارة الرقمية” و”التسول الرقمي” واستغلال الأطفال بهدف الربح وغيرها من الظواهر التي استنكرها العديد من المتابعين لما يجري في العوالم الافتراضية، وفي المقابل يرى الباحثون أن “استعمالها بطريقة معقلنة ومحصنة دون الوقوع في فخ الرداءة” يبقى إجراء مهما للحماية من سلبياتها، مطالبين الدولة بـ”مواكبة مستجدات ومخرجات العصر الرقمي”.

وفي هذا الإطار، قال محمد إسماعيل، الأستاذ الباحث في سوسيولوجيا الشبكات الرقمية، إن “أهمية العالم الرقمي اليوم تأتي في سياق ثورة رقمية عالمي، لا تفرض على الناس مجرد ممارسة تعبيرات ثقافية في عالم موازٍ للعالم الواقعي الفيزيقي، بل تؤسس للإقامة في منظومة هذا العالم الافتراضي وانخراطا في استراتيجية تدبير الخدمات رقميا”، مؤكدا أنه في الوقت نفسه تلوح في الأفق “ملامح الخطورة التي يقود إليها الاستخدام غير المعقلن وغير المحصن بمناعة فكرية؛ ضد تنامي تيار الابتذال والميوعة”.

وأضاف المتحدث أن “مواقع التواصل الاجتماعي يسرت كثيرا من الخدمات، وقلصت المسافات وطوت الزمن وأتاحت الانفتاح على العالم، أما الانحرافات التي تنشأ فيها فلم تكن كلها وليدة استخدام هذه التطبيقات، بل ربما سهلت هذه الأخيرة انكشافها للعموم والترويج لها حتى تحولت إلى عدوى اجتماعية”.

وأضاف أن “الحاجة تفرض علينا إقامة ثورة ثقافية وفكرية تمكننا من تملك آليات هذا العالم المنفلت حتى لا تزيغ استخدامات المجتمع نحو تزييف رمزية الحياة”.

وأردف إسماعيل أن مجموعة من الاستخدامات أضحت استهلاكا سلبيا وإبحارا في محتويات رقمية تهدد المنظومة القيمية والمجتمعية في كثير من تجلياتها، مشيرا إلى أن الحياة الحميمية للناس صارت مهددة في صلب تفاصيلها، ومعتقدا أن ظاهرة الاستخدام المكثف واليومي لوسائل التواصل الاجتماعي من طرف قطاع واسع من الناس، تدفع إلى هيمنة مضامين رقمية ذات أبعاد ترفيهية.

وجوابا على هيمنة المحتوى التافه مقارنة بالهادف في أغلب منصات التواصل، أكد محمد إسماعيل أنه “بالموازاة مع المادة البصرية التي تعرف رواجا كبيرا وتمارس إغراء نفسيا بالإضافة إلى أنها تسجل نسب مشاهدة عالية، نجد نخبة مثقفة على قلتها  تمارس جهودها الفكرية لإنتاج مضامين ثقافية هادفة وتوجيه الوعي الجماعي في سبيل ما يخدم نهضة المجتمع”، مشددا على أن “المثقف غير بعيد عن المشهد الافتراضي، ولكنه مطالب، اليوم، ببذل جهود مضاعفة لضبط التوازنات الفكرية والأخلاقية، بالتالي لا أستطيع الجزم بسيطرة من يسمون صناع التفاهة على المشهد”.

وأشار الباحث ذاته إلى تطبيق “التيك توك” المثير للجدل في المغرب، حيث تساهم كيفية استعماله داخل المغرب في رأي الباحث في تشكيل “صور نمطية ومبتذلة ومجتزأة عن حقيقة الشخصية المغربية، وخاصة المرأة؛ والتي تختزل في جسدها العاري ومظهرها المتاح للاستهلاك”، بالإضافة إلى “ارتفاع نوع من المحتوى المبتذل والمقرف، والذي يمعن في تقديم صور غير واقعية؛ تعكس أحيانا شخصية جذابة ومثالية وخالية من العيوب والأمراض”.

واستغرب الباحث في سوسيولوجيا الشبكات الرقمية الإهانة التي يعرض صناع المحتوى أنفسهم لها، وقال: “أحيانا يمارس صناع هذا النوع من المحتوى إهانة لذواتهم أو لغيرهم مقابل جني كثير من الأرباح.. الاستهلاك والابتلاع النفسي والذهني لهذه المقاطع، يمكن أن يفضي إلى تشكيل اتجاهات فكرية مشوهة لدى الأطفال والشباب حول حقيقة الشخصية المغربية”، داعيا إلى أن التفكير على المستوى السياسي في عقلنة وضبط استخدامات الناس لتطبيق “التيك توك” وغيره من التطبيقات مهم وأساسي.

وبخصوص الجهات التي يمكن أن تتدخل لوقف نزيف القيم المعرضة للخطر، قال الباحث أن “مهمة الدولة والمثقف ومؤسسات المجتمع المختلفة تظل ضرورية في مواكبة مستجدات ومخرجات العصر الرقمي، والدفع نحو بناء حصانة ثقافية ومناعة فكرية لدى المستخدمين لهذا التطبيق؛ بدفعهم للانخراط في المحتوى الذي ينسجم مع القيم الحضارية للإنسان المغربي”، مؤكدا أن على عاتق الدولة والمؤسسات مسؤولية تاريخية في ضبط وتدبير كل ضروب الانحلال والانحراف، وعدم التفريط فيما هو محلي وأصيل إرضاء لما هو عولمي.

التعليقات مغلقة.