ستسمعون كثيرا في نشرات الأخبار هذه الأيام أسماء مدن الجنوب مراكش، مولاي إبراهيم، وشيشاوة وتارودانت وأكادير وتاحناوت وامزميز وويركان واسني، وثلاث نيعقوب وايغيل، ومدنا وقرى بين ذلك كثيرة.
هذه المناطق هي مركز الزلزال المدمر والذي اتى على الأخضر واليابس في مناطق بعيدة عن كاميرات قنوات الصرف الصحي ونسيها المسؤولون والمنتخبون الذين لا يزورونها الا عند حلول كل موسم انتخابي ليسرقوا احلامهم ويغتالوا امالهم البسيطة والتي تتمثل في طريق معبدة وكهرباء وماء ومستوصف ومدرسة وبنية تحتية وخدمات تحسهم انهم ينتمون لمغرب الفوسفاط والذهب والفلاحة والخيرات والنعم التي يرفل فيها كبار القوم وعلية المسيرين، والذين جعلوا من مثل هذه المناطق أوراق انتخابية لا اقل ولا اكثر، هذه المدن هي عمق المغرب وتاريخه الكبير، مراكش التي بناها المرابطون، وفيها يرقد الأمير المسلم يوسف بن تاشفين، وبجوارها تينمل حيث انطلقت دعوة ابن تومرت مؤسس امبراطورية الموحدين.
وتارودانت أقدم وأعرق مدن المغرب، وسورها ثالث أعظم سور أثري في العالم بعد سور الصين العظيم وسور كومبالغار بالهند، وقد ازدهرت فيها صناعة السكر في القرن 16م، فقد بنى السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي قصره البديع، وقبور أسرته في مدينة مراكش بالرخام الذي كان يستورده يومها من إيطاليا ويدفع مقابله السكر وزنا بوزن.
ومنطقة سوس العالمة، وجبال الأطلس الكبير حيث تتمازج مدن العرب والأمازيغ كما تتمازج لوحات الزهور، هناك حيث منائر المساجد شامخة في سفوح الجبال، وكتاتيب القرآن، والمدارس العلمية العتيقة، هنا عمق المغرب الثقافي والعلمي والديني، المغرب الإسلامي الأصيل الذي لا تعكسه واجهات المدن السياحية الكبيرة المختلطة.
ما دفنه الزلزال ليس أجسادا بشرية فقط، وإنما تاريخ من الأمجاد، ومدن من الحضارة، وشعب صبور كريم عظيم.
ما دفنه الزلزال تاريخ وهوية ومأثر وحضارات ابت السلطات الوصية الى تحصره في الرباط وكازا، وتترك المغرب العميق والمغرب غير النافع يواجه مصيره بنفسه، فالمغاربة أبا عن جد ابانوا عن قيمهم الاصيلة، ومعادنهم العميقة التي تمت الى الاخلاق الرفيعة والمبادئ السامية وهي تجمع المساهمات والتبرعات من مختلف افراد المجتمع لبعثها وارسالها الى المتضررين من الزلزال المدمر بالحوز، والذي فعلا خلف خسائر مادية جسيمة حسب ما تابعناه عن قرب اثناء تنقلنا الى عين المكان، فالوضع خطير جدا والكارثة اعظم والازمة لازالت مستمرة استمرار تواجد بعض الجثث تحت الأنقاض، واستمرار تدهور الحالة الاجتماعية والنفسية والصحية لدى اغلب المتضررين من هذه الكارثة العظمى.
بأمزميز وتاحناوت وويركان وايغلي واسني والدواوير المجاورة كلها في حداد واسى بليغين جراء ما حصل لهم من نكبة حقيقية افقدتهم عوائلهم، فمنهم من فقدوا ابائهم، ومنهم من فقدوا ابناءهم ومنهم من فقدوا جل افراد اسرتهم ومن الاسر من قضت نحبها كاملة ومن القرى من دمرت بالكامل، ومنهم من لم تصلهم المساعدات الأولية ومنهم من يقضون الليل في العراء ومنهم من لم يسمعوا بقنوات الصرف الصحي الا من خلال زلزال الحوز، ومنهم من لم يستمتعوا بالطلعات البهية لمسؤولي الرباط وكازا الا من خلال هذه الازمة الخانقة، ومنهم من لم يتمكنوا من معرفة ما اذا كانوا مغاربة محسوبون على هذه البقعة الجغرافية ام لا، ومنهم من طلبوا منهم الا يدفنوا موتاهم الا اذا حضرت السلطة بهيلمانها وطقوسها الغارقة في التقليدانية والرجعية والتي لا تواكب التطور الحاصل في التعاطي مع مثل هذه الازمات، فضلا عن أولئك الذين باتوا تحت سقف السماء وبساط الأرض يتضورون جوعا بعد ان نفذت مادة الخبز في مختلف شوارع مراكش باعتبار ان اغلب المشتغلين بالمدينة الحمراء هم من ابناء تلك المناطق النائية والمعزولة والفقيرة والمهمشة بسبب السياسات المخزنية المتنطعة والتي تراكم الأموال على حساب عرق الشعب الفقير من أمثال هؤلاء المساكين والبسطاء في هذه القرى التي ان رايتها من بعيد حسبتها كهوف ومغارات ودور غارقة في القدم، وهو ما صرح به احد من التقته وسائل الاعلام الحقيقية بقوله: (راه المخزن ماتايخليناش نبنيو لأنه مازال باغيين يجيو التوريست يصورونا)، وكأننا خارج التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية وهي سياسة مخزنية بئيسة امتدت الى ان طلبت من الضحايا عدم دفن مواتهم الا بعد الحصول على الترخيص وانتظار حضور السلطات الوصية واذا ما تجرا على ذلك فانه سيتم متابعته.
يحدث هذا للأسف الشديد في مملكة محمد السادس التي عوض ان يتجه عزيز المغرب (اخناتوش) الى عين المكان، ويدير خلية ازمة رفقة أصحاب البطون المنتفخة من وزرائه الاكفاء كما يسميهم؟؟؟، اكتفى بالصمت ومتابعة المشهد الدرامي، وكانه (ضرباتو اللقوة)، واكتفى الحاج بايتاس ( البورط بارول ديال الحكومة المحكومة)، والذي ذهب الى الحج بفلوس الشعب والذي يصدع لنا رؤوسنا كل خميس بتلاوة التقرير الحكومي البئيس، اكتفى هو الاخر بالصمت كما اكتفت أحزاب النفاق والشقاق هي الاخرى بضرب الطم ومشاهدة المسلسل الدرامي الذي لفظ حوالي 1320 قتيل 1220 جريح اغلب إصاباتهم بليغة، ولم يتحرك في هذا الاطار الا القوى الحية من امنيين وعسكريين وصيادلة وأطباء ومتطوعين وجمعيات خيرية واغاثية داخل الوطن وخارجه، من اجل تقديم يد المساعدة للمنكوبين في هذا الزلزال الذي اتى على الاخر واليابس في رمشة عين.
لقد ان الأوان للمغرب ان يرجع الى سكته الاصيلة، ولابد للمسؤولين من إعادة تغيير نظرتهم تجاه المواطنين، ولا بد لنا من تغير بعض مفاهيمنا نحو إخواننا في المغرب العميق، ولا بد من إعادة توزيع الثروات بشكل عادل، ولا بد من تحيين مجموعة من الميكانيزمات التربوية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية من اجل ترسيخ مغرب القرب ومغرب المغاربة عوض ان تبقى حفنة ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب وبطنها مفتوحة على (السريط والمريط وحتى حاجة ماتشيط)، في مغرب يعد بالخيرات لكن لا يصل المهمشين فيه منه شيء للأسف الشديد.
فرج الله عن المغرب وشعبه العزيز، وكشف عنهم الغمة ورد بمسؤولينا الى جادة الصواب والرحمة والمغفرة لشهداء الحوز والشفاء العاجل لجرحاهم وانا على الدرب سائرون لنصرتكم ولو إعلاميا وذلك أضعف الايمان والله على نصر عباده إذا يشاء قدير وبالإجابة جدير.
التعليقات مغلقة.