فقراء المملكة الشريفة

TO GO WITH AFP STORY BY GUILLAUME KLEIN A Moroccan woman walks past homes in the Sahb al-Kaid shanty town in Sale, northwestern Morocco, on the right bank of the Bou Regreg river, opposite the national capital Rabat, for which it serves as a commuter town, on November 28, 2012. If the sea is never far, it is the ocean of tarpaulins and sheet steel that suddenly hits our eyes. Under the autumnal sky, residents of Sahb al-Kaid are still waiting to be relocated. AFP PHOTO/FADEL SENNA / AFP PHOTO / FADEL SENNA

الانتفاضة / محمد المتوكل 
هم يريدونك هكذا…ان لا تدرس كثيرا…وإذا درست فلن تجد شغلا…وان وجدت شغلا فلن يكون شغلا محترما…وان كان شغلا محترما فلن تتقاضى اجرا محترما…وان تقاضيت اجرا محترما فلن يكفيك لمصاريف الحياة…وان كفاك لمصاريف الحياة…فستأخذ من الدولة الشريفة الضرائب…وان اخذت منه الدولة الشريف الضرائب…فستدخل في حالة من الفقر…وإذا دخلت في حالة من الفقر…ستضطر الى الاقتراض من البنك…وان اقترضت من البنك…فسترد الأموال بالفائدة…وان رددت الأموال بالفائدة…فانت حتما ستدخل في حرب مع الله…وان دخلت في حرب مع الله…فحتما لن تهنا لا في الدنيا ولا في الاخرة…وان لم تهنا في الدنيا وفي الاخرة…فحتما ستكون من الخاسرين…الذين باعوا انفسهم للشيطان…واتبعوا الدنيا الفانية واشتغلوا بالفاني على حساب الباقي…وذلك ما تريده منا الدولة الشريفة الساهرة على حماية مصالحها ومصالح من يدور في فلكها…اما “المزلوط” مثلي وامثالي كثر…فستدخله الدولة الشريفة في متاهات لها مدخل وليس لها مخرج…فأقصى ما يمكن ان تفعله معك الدولة الشريفة هي ان تضمن لك مقعدا في المدرسة…علما ان هذا المقعد مؤدى عليه هو الاخر من أموال دافعي الضرائب…فتدرس ثم تحلم ثم تكبر ثم تشتغل…ثم تتزوج…ثم تؤسس اسرة…ثم يكبر اولادك…ثم تشيب…ثم تشيخ…ثم تهرم…ثم تتدخل الدولة الشريفة لتضمن لك صحنا من “المرقة البايتة” في مؤسسة من مؤسسات الرعاية المسماة “اجتماعية” بعد ان يتخلى عنك الاهل والاحباب والاصحاب… وتبقى وحيدا تقارع النسيان والامراض والهزال والضغف والخرف وفقدان الشهية فضلا عن فقدان الذاكرة…الى ان يزورك ملك الموت في يوم من الأيام ليرفع روحك الى علام الغيوب…لتبدأ رحلتك من جديد مع رب البرية ليسالك عن مسار حياتك من الصفر الى اخر لقمة اكلتها… واخر شربة شربتها…واخر نفس كان لك في دنيا العجائب والغرائب التي يحرص الانسان على ان يتزود منها بكل شيء…ويموت ويترك كل شيء…ليحاسب على كل شيء…انها دنيا الغرائب والعجائب في مملكتنا الشريفة…لا شغل محترم…ولا تعليم محترم… ولا تنمية مستدامة…ولا تطور…ولا تغيير…ولا هم يحزنون…الا اذا استثنينا فئة مخملية محظوظة ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب…واستطاعت بقدرة قادر من ان تجعل المملكة الشريفة محمية لها…وتتلذذ بخيراتها…وتتمتع بكنوزها…وتأكل من غلاتها…وتشرب من مائها الزلال…وتبني صرحها (المجيد والتليد) على انقاض “الغلابة” و (المقهورين) و “المحكورين” و “المطحونين” من أبناء الشعب المغلوب على امره…شعب يقاتل من اجل شراء حبة طماطم…وحبة بطاطس…وعلبة سكر…وقنينة زيت…اما الكماليات و “التحسينيات” فلا يكاد يصلون اليهم…وحتى اذا وصلوا اليهم فهم لا يصلون الا بشق الانفس…وقد يفني المغربي “المكرد” زهرة شبابه ولا يصل الى مبتغاه في دولة شريفة فيها كل الخيرات والنعم والفضائل من بحور تبلغ 3500 كلم…وأنواع غالية ومصنفة من الأسماك…وفيها الفوسفاط الذي لا نرى منه شيئا…خاصة نحن الطبقة الفقيرة والمفقرة…وفيها أنواع الأشجار والغابات والمصادر المائية والخضروات والفواكه…وغير ذلك مما حبا الله بها هذه البقعة الجغرافية التي تنتمي لأفريقيا…وتقترب من أوربا…و “قابطة شوية” فالعرب…هذه الدولة الشريفة التي عوض ان تفرق هذه الخيرات والنعم على الشعب المقهور و “المحكور”…فرقت ووزعت هذه العطايا على المحظوظين والناس “الالبة”…و”زادت العلف في ظهر المعلوف”…وخرجت لنا دولة طبقية فيها الفقراء بنسبة 90/100 وطبقة غنية مليارديرة بنسبة 10/100 للأسف الشديد…هذه الأخيرة هي من تتحكم في البلاد الشريفة…وترسم خارطة طريقها في تضارب واضح بين السلطة والمال…والمثال على ذلك “اخناتوشهم” الذي يجمع بين رئيس مجلس جماعة اكادير “اوفلا”…ورئيس الحكومة ورئيس اكبر محطة لتوزيع الوقود في المملكة الشريفة…ماذا عمل “هاد اخناتوش” منذ ان وصل الى الحكم؟؟؟…لا شيء غير انه أعاد التربية للمغاربة الذين صوتوا عليه مقابل 200 درهم…وزاد عليهم في معيشهم اليومي…واصبحت الخضر والفواكه واللحوم البيضاء والحمراء في متناول الأغنياء وحلم الفقراء…ودحرج الطبقة الوسطى لتلتحق بأختها الطبقة الفقيرة…واخذ الرجل يستأسد…ويتبجح…ويتبختر…و “يتفرعن” بكونه فعل كذا وفعل كذا…وهو في الحقيقة لم يفعل شيئا انما قاد الدولة الشريفة الى السكتة القلبية…كما عبر يوما الراحل الحسن الثاني حين وصف الوضع الاقتصادي والاجتماعي للدولة بانه قريب من السكتة القلبية…وما ادراك ما السكتة القلبية…والناظر فعلا الى اوضاعنا الحالية في مملكتنا الشريفة…ليصيبه الغثيان…وتأخذه الدوخة من كل جانب…لما وصل اليه الوضع المعيشي لدولة كان من المفترض ان تكون في مستوى دول العالم الأخرى…وخاصة الاوربية وفي مجالات متعددة اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا وتعليميا وفنيا ورياضيا وسياسيا…دولة رغم قدمها تاريخيا…وتضرب جذورها في أعماق التاريخ والجغرافيا والتربية الوطنية…الا انها اخلفت موعدها مع مواطنيها الذين يشتكون من الغلاء الفاحش…والأزمات الاقتصادية…والأزمات التربوية…والمشاكل الاجتماعية…والموبقات السياسية…والكوارث الثقافية…والمطبات الرياضية…والتراجعات التنموية…والتي اثرت بشكل سلبي على المملكة الشريفة…وجعلتها قبلة للأفارقة من اجل العبور الى الضفة الأخرى…حتى الافارقة يعرفون ان المغرب هو بلد العبور…وليس بلد الاستقرار…بل من المغاربة من اذا فتحت الحدود في وجهه لما تردد في المغادرة وترك لهم البلاد والعباد…
ان درجة الاحتقان التي وصل اليها المواطن المغربي خطيرة جدا…وقنبلة موقوفة التنفيذ ومؤقتة فقط…وقد تنفجر في يوم من الأيام لا قدر الله اذا لم تتحرك حكومة “اخناتوش” من اجل اصلاح ما يمكن إصلاحه…وارجاع قاطرة المملكة الشريفة الى السكة الصحيحة…وإعطاء الاولوية للتعليم والتربية والصحة…هذه الأخيرة هي الأخرى تحتضر و “كاتوفا” للأسف الشديد من جراء السياسات العوجاء والعرجاء التي يتم انتهاجها من قبل المسؤولين الذين اذا مرضوا فأول شيء يفكرون فيه هو جمع حقائبهم…واعداد سفرهم…واخذ اول موعد لهم مع طبيبهم المعالج لهم بدول الكفر وأبناء عيسى…ولا يرضون بشيء اسمه “السبيطار” المغربي لان هذا الأخير “ما فيهش حتا الدوا الأحمر”…اما التعليم فحدث ولا حرج…تعليم مغربي يخرج جيوشا من “البيطاليين” والمعطلين الذين يتسمرون في رؤوس الدروب والازقة من اجل معاكسة فتاة “خارجة تجيب الخبز من الحانوت”…اما الاقتصاد فانه مجرد اسم ولا يستفيد منه الا الناس “الالبة” و “الهاي كلاص”…اقتصاد متداع و لا يرتكز الا على التوحش المهول للرأسمالية المتوحشة…والفردانية القاتلة…والذاتية المقرفة…اما الصناع الصغار والمقاولات الصغيرة والمتوسطة والفراشة وأصحاب المهن الصغيرة فيتم محاربتهم بواسطة (الاليات المخزنية) التي تقف على الفراشة لتأخذهم هم وسلعهم…في خرق سافر لكل الأعراف والتقاليد والعادات القانونية المرعية في هذا الاطار…اما اجتماعيا فلا شيء تحقق في بلاد “اخناتوش” ومن على شاكلته سوى تنامي الفقر…وتصاعد الفقراء مقابل نمو الظاهرة “الاخناتوشية” و الرأسمالية المتوحشة والتي تجمع بين المال والسلطة بدون ان يتجرا احد ليقول للقوم من اين لك هذا…اما الفن والرياضة والثقافة وباقي الخدمات فاقم على دولتك الشريفة مأتما وعويلا…وصل عليها صلاة الجنازة بتكبيراتها الأربع مع الدعاء لها بالرحمة والمغفرة…
لسنا “شوفينيين” وعدميين ونرى النصف الفارغ من الكاس…بل حاولنا نقل الحقيقة التي لا مرية انها حقيقة ساطعة سطوع الشمس في رابعة النهار…وبدون مجاملات…ولا رتوشات… ولا مساحيق مستعارة من واقع لا يرتفع لبلد أرادوا…او اريد له ان يخلف موعده مع التنمية بل وفاته القطار في هذا الإطار.

التعليقات مغلقة.