لم تكف التيارات الدينية والجماعات المتشددة عن المتاجرة بالدين لكسب تعاطف العامة من الشعب ، وعبر تاريخها الدموي لم تتورع عن رفع رايات تقتنصها من القرآن لمواجهة كل الأنظمة السياسية سعيا وراء الحكم ، وهو نفس النهج الذى تتبعه الجبهة السلفية الآن للحض على رفع المصاحف في مظاهرات 28 نوفمبر المقبلة على طريقة الخوارج لرفع المصاحف في وجه الدولة للضغط عليها وعبر العصور تنوعت أدوات الضغط على الأنظمة السياسية ولكن برز رفع المصحف كأداة للمتاجرة بالدين كأبرز أدوات الضغط التي رفعت في الثورات الإسلامية بداية من ثورة “الخميني” مرورا بالإخوان، وانتهاء بدعوة السلفيين الآن وكأنهم يطبقون ما سخرت منه الشيوعية يوما من “أن الدين آفيون الشعوب ”
الخوارج ومعركة صفين…
على مدار التاريخ ظل رفع المصاحف وسيلة ضغط تاجرت بها عددا من الأنظمة السياسية للتغلب على خصومها، ويعتبر عهد معاوية بن أبى سفيان أول عهد يتم فيه اللجوء إلى رفع المصاحف في واقعة “صفين” الشهيرة التي شهدت الفتنة الكبرى بين المسلمين حين قتل عثمان بن عفان، حيث قام معاوية ابن أبى سفيان باللجوء إلى حيلة خبيثة عندما أوشك على الهزيمة بتطبيق نصيحة عمرو بن العاص الذى طالبه فيها برفع المصاحف في وجه رماح “على بن أبى طالب ” ، وهنا قال سيدنا “على “جملته الشهيرة ” حقا أن هذا القرآن لحمال أوجه “، وكانت لجملة على بن أبى طالب بلاغة خاصة لإداركه أنه تم المتاجرة بالدين لتحقيق النصر لأن الحرب توقفت عندما رفع جنود معاوية المصاحف في وجه جيش على، وهو ما يؤكد أن المصحف استغل على مدار التاريخ للمتاجرة به .
الإخوان .. بين مصحف ورمى حجر
لم تتورع جماعة الإخوان عن المتاجرة بالدين لتحقيق أغراضها الخبيثة على مدار تاريخها السياسي للسيطرة على عقول عريضة من الشعب المصري بشعارات الدين، والتي برزت في عدد كبير من التظاهرات التي كانت تنظمها الجماعة ، والتي كانت ترفع فيها المصاحف لإستغلال عاطفة المصريين، وعلى الرغم من كل الألاعيب الماكرة التي استغلتها الجماعة للسيطرة على عقول البسطاء إلا أنها لم تنجح في الحكم ، ولم تطبق شرع الله الذى دعت إليه ولم تطبق ما جاء في القرآن من عدالة اجتماعية. بل أثبتت فشلا ذريعا في الاقتصاد والسياسية وفى كل شيء منذ وصولها إلى الحكم ، وهو ما مهد المصريين إلى القيام بثورة 30 يونيو التي أطاحت بهم، والتي كانت صحوة قادها شعب رفض ان يستمر هذا الحكم الغاشم على بلاده وهو يدعى أنه سيصون الحرية بوصوله إلى الحكم ولن يفرض وصايته على أحد فإذا بالمصريين يدركون بحسهم الحضاري أنها جماعة تتقنع بالدين لتحقيق أغراضها الخبيثة .
ثورة الخميني .. وعزلة إيران
رفع المصاحف كان حاضرا أيضا في الثورة الخمينية أي ثورة إيران وهي الثورة التي رفعت شعار الإسلام وتحقيق مبادئ العدل ثم بعد ذلك جعلت ولاية الفقيه فوق أي عدالة اجتماعية ، ومن ينظر إلى الثورة الإيرانية سيجد أنها كانت ثورة تقليد، ولم تكن أصيلة رغم أن الدين استخدم فيها بشكل محوري واعتمدت عليه الثورة التي قادها عدد كبير من الشباب الذى تم استغلاله ايدلوجيا والسيطرة على عقله والدفع به إلى مواجهه مع النظام الأمريكي والغربي ، فرغم أن الثورة التي رفعت المصاحف في كل تظاهراتها كانت تدعو إلى تحقيق العدالة والحرية ووضعت انتخابات برلمانية ورئاسية إلا أنه بعد أن تمكن رموزها من مفاصل الحكم. لم يترك الشعب ليختار مصيره ، ولكن تحولت دفة الحكم الحقيقي كلها وجهه واحدة إلى يد مرشد الثورة الإسلامية ” الخميني” وكذلك مجلس حماية الدستور غير المنتخبين من الشعب، وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة إلى الثورة إلا أنه بالنظر إلى حالة إيران الحالية سنجد أن حلم الشعب الإيراني قد تبدد في الخداع طويلا ولم يحقق الإستفادة الحقيقة من ثورته الوطنية التي ذهب معظمها إلى صفقات السلاح والمواءمات السياسية التي أفقدته الكثير من مقدراته في الحرب التي خاضتها إيران مع صدام ، المصاحف كانت تبشر بالسلام بين البشر وعدم الإنعزال عن البشر ، ولكن الثورة الإيرانية التي رفعت المصاحف لخداع الشعب الإيراني رمته مباشرة في عزلة عن العالم المتحضر.
تنظيم داعش ..مصحف وسكين
لا يمر يوم علينا دون أن نرى فيديو جديد لتنظيم داعش وهو ينحر الإبرياء بالسكين والدماء تحتل مساحات كبيرة من مساحة الفيديو لتثبت المأساة التي يعيشها العالم العربي يوميا في ظل تصاعد الجرائم التي يرتكبها التنظيم الإرهابي الذي ولد من رحم الإمبرايالية الأمريكية لتفتيت إستقرار المنطقة العربي ،وعلى الرغم من رؤيتنا للجريمة التي ترتكب بإسم الدين فإننا نري في مشهد الكادر داخل كل فيديو يبثة داعش لقتل خصومه كل يوم يد ترفع المصحف لتواجهنا بأن ذلك هو القصاص العادل. . ثم ينتهي الفيديو ونغرق في الهم من هذا المتاجرة الدنيئة بالدين ، فكيف نستطيع مواجهه الغرب بسماحة الدين،ونحن محسوبون ظلما مع تنظيم يدعي أنه يطبق حدود الله .يقتل الأطفال ويستبيح النساء في جهاد النجاح ،ويقف في مواجهه جندية كردية تدافع عن شرف بلادها لينهي شبابها الذي كان من الممكن أن يمتد أكثر ليختار الدم لغة لنهاية المشهد .الدم الذي يراق كل يوم على الحدود المصرية وهو يرفع ولاءات الإسلام .يغتال شباب ليس لهم ذنب إلا أنهم قبلوا أن يجندوا في الجيش للدفاع عن أمننا.يقف علي حدود الدول العربية كشرطي مرتزق ليغتال كل الإبتسامات والفرحة ولا يريد أن ينهيها سوي بصورة الدم المخضب بالندالة التي تتخذ من الدين والمصاحف ستارا لسفك دماء من يؤمنون بأوطانه..
تنظيم القاعدة ورايات الإسلام ….
يتشابه تنظيم القاعدة مع تنظيم داعش كلا منهم كان يرفع رايات الإسلام ويدعى انه يحكم المصحف بينه وبين الكفار من أبناء الدين الواحد ، وككل نهج التيارات الدينية المتشددة كان المصير هو أنه لا شيئ يتحقق لوطنه على مدار السنوات التى نضاها وهو يدعى أنه يدافع عن وطنه ضد الروس ” الكفار الملحدين” ربما بدأت أفغانستان فى الحرب ضد الإتحاد السوفيتى كنوايا أولى لتحرير بلادها ، ولكن سراعن ما سيطر التنظيم على البلاد وإستغل حالة الحرب الموجودة والتى غزتها الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق أنتاقمها من الدب الروسي ، وكانت أفغانسات هى الضحية بكل ما تحمله الكلمة من مأساة ، تنظيم القاعدة لا يختلف عن تنظيم داعش فالظواهرى أحد اللذين روجوا لـ” داعش” لعله يندم الآن بعد تمرد محمد الجولانى أبو بكر البغدادى عليه ، لأن الآخير هو من قام بقرار ضم جبهة النصرة إلى تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق وأعلن تنظيم “داعش ” ليصبح البديل لأمجاد القاعدة
تلاشى تنظيم القاعدة قليلا ولم يعد فى الصورة بعد مقتل بن لادن وبدأ تنظيم داعش ليعلن أنه الوريث تحت مظلة دولة الخلافة وهو يزعم أنه سيحالفه الحظ ليدعو المسلمين فى العالم كله إلى الوقوف بجانب الدولة الإسلامية ، وأنه من يقف فى وجهها فهو ضد شرع الله ، وهى نفس النغمة التى كان يرددها تنظيم القاهدة من قبل الذى نهب ثورات البلاد وبدلا من إقامة تنمية فيها أنفق الأموال التى تدفقت إليه على القتل وإستباحة دماء المعارضين وترك الأطفال جوعى دون أن يكون لهم مأوى بحجة الجهاد ، وهو يرفع رايات وشعارات الإسلام ولا يطبق منها إلى ما يتوافق مع مصالحه ولم يحكم من آياتها إلا ما يتفق مع منهجه ، وهو ما يؤكد كلمة سيدنا على ابن ابى طالب من أن القرآن قابل للتأويل . يستغل مفهومة كل طرف دون أن يضع فى ضميرة دماء ملايين الآبرياء التى سقطت بإسم الدين .
” شرع الله وإرادته ” جملة مشتركة بين جميع التنظيمات الإسلامية التى رفعت رايات الإسلام ، ولم تجنى شيئا فى الحقيقة لبلادها .بل هى تقف فى مواجهة مؤسسات الدولة لتدميرها ، وهى تريد أن تقوم بلى ذارع كل الأعراق المختلفة لتكون نسجا واحدا . أليس الله هو القائل : وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ” .دعوة السلام والمحبة التى شرعها الله فى تحكيمه غائبة عن كل التنظيمات السياسية التى تستغل الدين كستار لتحقيق أهدافها .تلك الأهداف التى حارب من أجلها تنظيم القاعدة طويلا حتى أنهك بلاده ، وتركها فى العراء تواجه الأمراض والفقر ليختبئ فى الجبال ويموت مهزوما . قد تبدأ الحرب بنية نحو إنقاذ البلاد والدفاع عنها ، ولكن الحرب تكون خاسرة بالطبع لو بدأ قاداتها فى التكفير فى مصالحهم الشخصية للبحث عن مجد ، وهو ما عظم الخلاف بين تنظيم ” داعش” وتنظيم ” القاعدة ”
اتساعاً بمرور الوقت، لأن قيادة تنظيم «القاعدة» تشعر بأن عملية اختطاف غادرة جرت على تركته وتجربته وميراثه وسوف تفتح الباب أمام صراع دموي حاد، أو أن ينجح قادة «الدولة» في استيعاب «القاعدة» في مشروعها بالمنجزات الميدانية وفرض الأمر الواقع. وفي المجمل، فإن «داعش» أو «دولة الخلافة» تمثّل النسخة المتطرّفة عن «القاعدة» وهي الأشرس على الإطلاق في تجربتها، ولكنها الأٌقرب الى روح الوهابية الأصلية.
التعليقات مغلقة.