حمار الطاحونة –الجزء الثاني-

الانتفاضة/ بقلم ذ.محمد العبدوني خياري

كيف تصبح وزيرا أو مسؤولا كبيرا ؟ “سعدات اللي عندو جداه في المعروف”                                        

أيها الناس إن قطعة الذهب قد تسقط في الوحل فيصيبها الأذى ولكنها تبقى ذهباً والنحاس ليس كالذهب رغم محاولة رشه أو غسله بالذهب. الناس الطيبة هم أناس معدنهم أصيل وقلبهم طيب ولا يكفي كل الكلام لوصفهم.

ونحن عشنا حمى التعديل الحكومي، وسنعيش حكومة مقبلة سنة 2026، دون أن نتحدث عن الوزراء الذين عمروا في الكراسي لما يفوق 20 سنة، فإليكم بعض النصائح كي يصبح المرء وزيرا أو مسؤولا كبيرا.

غالبا ما تتساءل،  كيف أصبح هذا الشخص وزيرا؟  أجوبة متعددة لكن جلها قد يكون ” قرايتواللي وصلاتو” لكن ليس وحده من درس و اجتهد، و لنفرض جدلا انه يملك من الجد و العلم ما يؤهله لذلك، فأي علم هذا الذي يخول لصاحبه تارة أن يكون وزيرا للتعليم وتارة أخرى واليا، ولا ننسى انه قد يصبح وزيرا للداخلية أو رئيسا للحكومة، و في النهاية رئيس إحدى الوكالات أو الصناديق أو المجالس الكبرى . هل “ورثها من أبيه”، فحسب علمي فالوزارة لا تورث، لكن مع تعاقب نفس الاسم العائلي على مجموعة من الوزارات، يمكننا الاعتقاد بذلك. يقول المثل” لي خلا ليه باه شي عقبة كيطلعها” وهم ترك لهم آباؤهم طريقا مبلطة معبدة مع منحدر يسهل عملية الانزلاق ومع إضافة شي –دفيعة رفيعة- فهو اذا لن يحتاج لبدل أي مجهود. نسبة كبيرة من حملة ألقاب المعالي قد جاءوا من طبقة معالي الآباء والأجداد أو من فئات أصحاب المال وقادة السوق الذين يحملون هذا اللقب  وأنهكوا ميزانية الدولة بتقاعدهم.

ولنطرح سؤالا آخر “آش كيدير لينا هاذ الوزير بسلامتو”؟ -فأغلبهم ولن نقول كلهم-، تجده يبتسم أمام عدسات الكاميرات  في زيارة للمرافق التابعة له، يوقع الاتفاقيات، ويعين في ديوانه المقربين له أو الذين تجمعه معهم مصالح.

إذا من يحافظ على دوران العجلة الصدئة و المفرغة من الهواء لهذا البلد؟ انه حمار الطاحونة أي الموظف أو العامل البسيط يعتقد بعضكم أنني أريد أن أصبح مسؤولا كبيرا أو وزيرا، وأحمل لقب معالي الوزير وتقلد هذا المنصب الرفيع في كل زمان ومكان وبتقاعده المريح، “ أسيدي ما كرهتش”  ولكن فلتطمئن قلوبكم  الممتلئة بالغل، فأنا لا أملك المؤهلات واسمي العائلي عادي جدا، عكس الوزراء الذين يكفي أن تسمع اسم أحدهم ، حتى ترفع الحواجز و تعطى التحيات. وأخيرا فأنا لا أملك من الانبطاح والتملق ما يخول لي الحصول على تزكية حزبية أو توصية من جهات كبرى. ومؤهلات أخرى يجب أن تتوفر في المرشح للمسؤولية لا داعي لذكرها، و أخرى لا أعلمها. نحن لا نريد من سيادة المسؤول أن يفقد ابتسامته، أو يتخلى عن بدلاته وحذائه الأنيق و عطره الغالي. نحن نريد منه أن يكف عن إرهاق البسطاء، و يوفر لهم سبل الحياة  الكريمة، أن يضع الإنسان المناسب في المكان المناسب لتشجيع الكفاءات عوض ردمها. أن يقلد وزراء الغرب ليس في قوانينهم، بل في تفانيهم في خدمة مواطنيهم. و أن يساعد حمار الطاحونة على بلائه، ليس بالدوران معه، ولكن بإراحته و الحفاظ على حياته، حتى تجد الطاحونة غدا حمارا يديرها، أو لم يقول السلف ” اللي تكايس على حمارو يحج عليه”.

إن من المعايير المُعتبرة كمؤهلات للبعض، أولا أن تكون منتسبا للجهاز، أو أن تأتي بتزكية وتوصية من أحد أفراده المهمّين، و أن يكون لك وسيط صادق في التوصية  بك، أو تكون من منطقة جغرافيّة يتطلّب وضع وزير منها، ويخدمك الحظ أن تكون من القلائل المعروفين فيها، أو أن تكون إحدى قريباتك في جلسة إجتماعيّة مع زوجة مسؤول  مهم وينتقل الطلب للمسؤول، أو أن تكون في سفر أو غربة وتتعرّف على مسؤول كبير يزكيك في أقرب تشكيل للحكومة، أو أن تكون ناشطا في حزب قوي وتأتي الفرصة ليُشارك في الحكومة. وفي بعض الأحيان قد تكون مشاكسا وتظهر بمظهر المعارض الشرس، وعندها قد تسمع بأذنيك احدهم يقول كيف صار فلان وزيرا بينما كان يشتم النظام بقسوة، وطبعا ذاك الشخص هو من السذج أمثالي ينبهرون بلون الوردة بينما شوكها يلسعهم، آو تتسائل مندهشا هل النظام يكافئ من يشتمه، بينما نحن الصامتون الموالون قلبا وقالبا ولا نقبل من أي كان أن يغلط في حق وطننا آو رمز عزّنا، نعيش أمواتا بالحياة.

لكي تستعد للوزرنة عليك أن تقف مرة مرة أمام المرآة وتنادي نفسك معالي الوزير وهكذا تكون خطوت أول خطوة في الطريق وعندها يجب أن تخلع إزار الحشمة والرحمة وتلبس مئزرالتسويف وتبدأ التخطيط وتستبدل الخوف بالجرأة ..

إن نظرة الأفراد إلى بعض الأمور أصبحت مادية من دون إدراك جوهرها. وأصبح من الممكن أن يتنازل الشخص عن الكثير من الأمور ومنها حتى المبادئ . فالصراحة أصبحت منفرة للناس وطاردة للأصدقاء. والمسؤول  إذا اطمأن إلى أن أظافره لن تقلم مضى في بطشه لا يخشى أحداً.

اليوم لكي تكون علاقتك جيدة بالآخرين عليك أن تتجنب معارضتهم فيما يقولون أو يفعلون حتى لا تحرجهم أو تستفزهم. إن الرجل لا يكون قائداً لأنه عثر على بدلة قائد فلبسها، فالناس ثلاثة: واحدهم كالهواء لا يمكن أن نستغنى عنه، والثاني كالدواء لا نحتاج إليه إلا في بعض الأوقات، والثالث كالداء علينا الابتعاد عنه.

أيها الناس احذروا التسويف…..أنا مواطن ينشد لوطنه الكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة وليعلم الجميع أن“هذا الكرسي لو دام لغيرك لما وصل لك”.
إن الاستوزار في ظل دستور 2011 بدل أن يشكل قيمة مضافة في بروفيل الوزراء، شكل صدمة للرأي العام بحكم «التبهديل» والصورة الكارثية والكاريكاتورية التي أصبح عليها بعض الوزراء، لدرجة أنه في بعض الأحيان لم تعد صورة مسؤول أو وزير تختلف عن صورة «دون جوان» أو «فيدور»  بسلوكه الزنقاوي أو تهوره الكلامي أو بالاحتقار و الاستهتار بالمسؤولية والأمانة. فاليوم حدد الدستور الجديد معايير الاستوزار ورئاسة الحكومة، مجسدا ذلك في الحصول على أغلبية برلمانية وفوز الحزب الأغلبي بالرتبة الأولى، تم تبدأ عملية التحالفات والتوافقات والتكالبات وعمليات الإرضاء وتقريب الأقرباء عوض أن تتوفر الأمانة والنزاهة والإنتماء للوطن والخبرة المهنيّة والاحتراف. لهذا يا أخي يا من تبحث عن حقيبة اذهب واشتري حقيبة كبيرة ضع فيها أشيائك المهمّة ومثالياتك.
فالوزير ابن الوزير، وقبل ذلك يكون في مواقع أخرى تسمح بتداول اسمه سنوات في إشاعات التغيير والتشكيل حتى يصل المتابعون إلى قناعة بأن قدوم هذا الشخص قدر لا مفر منه، أو أن حملة للقب معالي ضرورة وطنية لا يستقيم أمر البلاد والعباد إلا بها. والمنطق يقول أن المسؤولين الكبار يبحثون لأبنائهم الخريجين عن مواقع هامة، أو مؤسسات هامة تمنحهم من أخذ الفرص وفي أحد صباحيات أيام الخميس حيث تعقد الحكومات جلساتها يصدر قرار بتتويجه كاتبا عاما لوزارة أو دبلوماسيا أو مديرا عاما، وبسبب العلاقات وكثرة الترويج الداخلي يصبح اسما من أسماء الإشاعات للتعديل والتشكيل.   “لكي تصبح وزيراً؟؟”  إنها وصفة تصلح لأن تصبح جزءاً من البرامج التأهيلية مثل برامج تعلم الإنجليزية في أسبوع دون معلم ويكون هناك مادة اسمها “لحيس الكابة”.

التعليقات مغلقة.