المغرب والتحول الرقمي.. الى اين؟

الانتفاضة // الدكتور // حميد بحكاك

مقدمة:
“الإدارة الرقمية”،”التنمية الرقمية”،”الحكامة الرقمية”، “الخدمات الرقمية”،”التجارة الرقمية”،”العملة رقمية”،”العدالة الرقمية”،مصطلحات جديدة وتعابير فنية تقنية دخلت قاموس التداول الإعلامي والإداري والاقتصادي المغربي كتعبير عن التحول الرقمي الذي يعرفه المغرب منذ العقدين الأخيرين، مظاهر تحول تعرفه القطاعات الاقتصادية والإدارية والقضائية والأمنية والتجارية والمالية في المغرب،يهم البنيات والمؤسسات والسياسات والبرامج، واستراتيجيات وتوجهات مستقبلية آخرها “المغرب الرقمي 2030”. وهذا التحول صاحبه إرساء ترسانة تشريعية ومؤسساتية واستراتيجيةلتحقيقه وإنجاحه، نعرضها فيما يلي.

في معنى التحول الرقمي

تحيل الرقمنة (Digitalisation) إلى إمكانية استخدام التقنيات الرقمية وأتمتة (automatisation) العمليات اليدوية. أما التحول الرقمي(la transformation digitale) فهو يهدف إلى تغيير طريقة عمل الإدارات والشركات والمؤسسات تمامًا من خلال استخدام التقنيات الرقمية.
وفي هذا الإطار سعى المغرب إلى رقمنة خدماته العمومية الإدارية والمالية والقضائية، فتمَّ إحداث بوابة «ldarati» المخصصة للمساطر الإدارية، وأداء الضرائب والرسوم عبر الإنترنت (الضريبة السنوية على السيارات الضريبة على الدخل، الضريبة على الشركات الضريبة على القيمة المضافة، وغير ذلك)، والشباك الوحيد PortNet، وتتبع خدمات نظام «راميد»، والبوابة الوطنية للشكايات Chikaya، ومنصة « TELMIDTICE» (للتعليم عن بعد) ومكتب الضبط الرقمي، بالإضافة إلى المحاكمات عن بعد في المجال القضائي، وغيرها من الإجراءات التي تندرج في إطار الخدمات العمومية الرقمية1.

الإطار التشريعي
يقصد بالإطار التشريعي مجموع النصوص التشريعية والتنظيمية من قوانين ومراسيم وقرارات ومقررات تهم المجال الرقمي وما يرتبط به أو يتداخل معه، ونظرا لجدة المجال الرقمي فإن الإطار التشريعي المغربي يتطلب تحيينا وتجديدا وتغييرا وإضافة، كما أوصى بذلك المجلس الأعلى للحسابات في تقريره برسم سنة 2022-2023 إذ طالب”باستكمال وتحديث الإطار القانوني لدعم تطور التكنولوجيا الرقمية وملاءمته مع التغيرات السريعة التي يعرفها هذا المجال”،وكما ذهبت في نفس الاتجاه لجنة النموذج التنموي الجديد في تقريرها العام بضرورة “استكمال الإطـار القانونـي الهادف إلـى ضمـان الثقـة الرقميـة للمستعملين و السـيادة الرقميـة للمملكة” و”تسريع وتيرة إنتاج النصـوص القانونية والمراسيم التطبيقية المتعلقة بالجرائم الإلكترونيـة والملكيـة الفكريـة وتدبير المعطيات الشخصية، وكـذا وضع إطار مؤسساتي يضمن الاعتراف القانونـي الكامـل بالتفاعلات الرقميـة والقيمـة القانونيـة للوثائـق الرقميـة مـن خـلال التوقيـع الإلكترونــي والتعريــف الرقمــي الموحــد للمواطــن، مــع الحــرص العــام علــى احتــرام الضمانات المتعلقة بحماية المعطيات الشخصية”2.
ويشتمل الإطار التشريعي الرقمي على النصوص القانونية التالية:

●القانونالموحدرقم 96-24 المتعلقبالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية،كماتم تغييره وتتميمه
●القانون 03-07 المتمم لمجموعة القانون الجنائي فيما يتعلق بالجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات
●القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي
●القانونرقم 08-31 القاضي تحديدت دابير لحماية المستهلك
●القانون 05-53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية
●القانونرقم 31.13 المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومات
●القانونرقم 20-43 المتعلق بخدمات الثقةبشأن المعاملات الإلكترونية
●القانونرقم 20-05 المتعلق بالأمن السيبراني
وصدرت مع هذه القوانين مراسيم تطبيقية لها، بالإضافة إلى هياكل ومؤسسات تسهر على مراقبة تطبيق هذه القوانين كل في مجاله، ولا زالت الترسانة التشريعية تنتج المزيد من النصوص استجابة للتحولات السريعة التي يعرفها الفضاء الرقمي والتي تتطلب تأطيرا تشريعيا سريعا ومواكبا، كما هو الأمر في مجال الذكاء الاصطناعي الذي يدور الحديث حوله في الآونة الأخيرة، وكذا تأطير مواقع ووسائط التواصل الاجتماعي.

الإطار المؤسساتي
ولتأمين حماية الفضاء الرقمي وضمان تطبيق النصوص التشريعية ومراسيمها التطبيقية، تمَّ إنشاء مجموعة من الهيئات والمؤسسات لها اختصاصات رقابية وضبطية وتنظيمية، تحرص على ضمان احترام القوانين في هذا المجال كل في مجال تخصصه، بالإضافة إلى التوعية والتحسيس والمواكبة ووضع دلائل وإجراءات فنية وإرشادية، وكلها تصب في مجال الفضاء الرقمي وهي كالتالي:

1 الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة

تعتبر الوزارة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة،الجهة الوصية على المجال الرقمي، وذلك بعد إحداث المديرية العامة للانتقال الرقمي ضمن هيكلها الإداري (مرسوم رقم 2.23.405بتاريخ 8 يونيو 2023)، هذه المديرية العامة وكما جاء في المادة 1 من المرسوم أنيطت بها مهام من بين مهام أخرى:

ـــ إعداد الاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية والسهر على مواكبة ودعم المشاريع والتدابير المرتبطة بها وتتبع تنفيذها
ـــ تنسيق وتتبع العمل المشترك مع الهيئات العمومية والدولية في مجال التنمية الرقمية؛
ــــ إعداد مشاريع النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بمجال التنمية الرقمية، والسهر على ضمان حسن تطبيقها
ــــ تعزيز اليقظة القانونية في هذا المجال؛
ــــ ….
وتتكون هذه المديرية العامة من ثلاث مديريات وهي: مديرية البنيات السحابية وترحيل الخدمات؛ ومديرية المنظومات وريادة الأعمال الرقمية؛ ومديرية الإدماج الرقمي وتنمية الكفاءات الرقمية، وحدَّد المرسوم اختصاصات ومهام كل منها.
كما أن الجمع بين الرقمنة وإصلاح الإدارة، يدخل ضمن مشروع رقمنة الخدمات العمومية وتبسيط المساطر الإدارية والحد من البيروقراطية التي تثقل كاهل المواطن والإدارة على السواء، واعتماد منهجية جديدة محورها المرتفق، مواطنا كان أو مقاولة.

2 اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية
تأسست هذه اللجنة بناء على المادة 27 من القانون رقم 08-09 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي، وتقوم بتقديم المشورة للحكومة والبرلمان والإدارة فيما يتعلق بحماية المعطيات الشخصية، كما تضطلع اللجنة بدور التحسيس وتوعية الأفراد و مواكبة الهيئات العمومية والمؤسسات الخاصة في هذا المجال، وتتوفر على سلطة التحري والبحث التي تمكنها من مراقبة عمليات معالجة المعطيات الشخصية للتحقق من مطابقتها مع مقتضيات القانون 08-09 ونصوصه التطبيقية، كما تقوم اللجنة الوطنية بدراسة وتحليل التوجهات والتحولات التكنولوجية والاقتصادية والقانونية والمجتمعية التي من شأنها التأثير على الحياة الخاصة للأفراد ومعطياتهم الشخصية بالمغرب.
وحماية المعطيات الشخصية في الفضاء الرقمي يأتي في إطار تعزيز مناخ الثقة في الخدمات الرقمية وحماية الحياة الخاصة للأفراد، كحق من حقوق الإنسان الرقمية.

3 – وكالة التنمية الرقمية

وكالة التنمية الرقمية هي مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي، ثم إحداثها بموجب القانون رقم16ـ61الصادر بالجريدة الرسمية رقم 6604 بتاريخ 14 شتنبر2017.
وحسب المادة 3 من هذا القانون، تقوم الوكالة بدور استشاري واقتراحي والرصد والتتبع، ويسند إليها تنفيذ استراتيجية الدولة في مجال التنمية الرقمية وتشجيع نشر الوسائل الرقمية وتطوير استخدامها بين المواطنين، والقيام في إطار برامج الحكومة الإلكترونية، بوضع التصورات المتعلقة بمشاريع الإدارةا الإلكترونية وبتطوير الخدمات العمومية الرقمية وبضمان التشغيل البيني لها واندماجها بتنسيق وثيق مع السلطات والهيئات المعنية وبالسهر على تنفيذها في إطار اتفاقيات الشراكة مع السلطات والهيئات المذكورة ومهام أخرى حددتها المادة3.

4 اللجنة الوطنية للتنمية الرقمية

تأسست هذه اللجنة سنة 2023 بموجب المرسوم رقم 2.23.951، (المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7251، بتاريخ 2023/11/27)، لدى رئيس الحكومة وتتولى الاختصاصات الآتية:
– إبداء الرأي وتقديم اقتراحات وتوصيات في شأن التوجهات الكبرى للاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية؛
– اقتراح مختلف التدابير اللازمة لضمان نجاعة وفعالية تنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية؛
– التقييم المرحلي لتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتنمية الرقمية.
وتتكون هذه اللجنة بالإضافة إلى رئيس الحكومة ووزراء كممثلين للسلطة التنفيذية، وممثلين عن القطاع الخاص والعام ومهنيين وخبراء في مجال الرقمنة.
وجاءت هذه اللجنة بعد تجربة “المجلس الوطني لتكنولوجيا الإعلام والاقتصاد الرقمي” الذي أنشئ سنة 2009 وكانت مهمته: تنسيق وضمان متابعة وتقييم تنفيذ السياسات الوطنية الهادفة إلى تطوير تكنولوجيا المعلومات والاقتصاد الرقمي.

وقد أسند للجنة الوطنية للتنمية الرقمية تنزيل “استراتيجية المغرب الرقمي 2030”.

5 ــ الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات

تمَّ إحداث الوكالة الوطنية لتقنين المواصلاتسنة1998 (بموجب المادة 27 من قانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات السلكية واللاسلكية) لمواكبة تطور الاتصالات على المستوى الوطني.
وتتمتع الوكالة بسلطات التقنين القانوني(إعداد مشاريع القوانين، والمراسيم والقرارات الوزارية) والتقني( إعداد المعايير التقنية) والاقتصادي (مراقبة السوق التنافسية)،كما تتولى الوكالة المشاركة في إعداد النصوص التشريعية والتنظيمية التي تهم قطاع الاتصالات،حيث تتمتع بالصلاحيات الضرورية لإعداد إما بمبادرة منها أو بطلب من السلطة الحكومية المختصة، المقترحات الهادفة إلى تنظيم الإطار القانوني والاقتصادي والأمني الذي تمارس فيه أنشطة الاتصالات، وفي مجال التوثيق تصدر الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات تقارير سنوية تهم نشاط الوكالة ونظرة شاملة على قطاع تكنولوجيا الإعلام والاتصال4.

6 اللجنة الاستراتيجية للأمن السيبراني
ولتأمين البيئة الرقمية الحاضنة للبنيات التحتية من التهديدات الداخلية والخارجية(قرصنة البيانات، تهديدات سيبرانية، هجمات سيبرانية….) تمَ إحداث اللجنة الاستراتيجية للأمن السيبراني (اللجنة الإستراتيجية لأمن نظم المعلومات سابقا) التي تأسست بموجب القانون رقم 20 – 05 بتاريخ 25 يوليوز 2020 المتعلق بالأمن السيبراني، وهي الهيئة المسؤولة عن:
– إعداد التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال الأمن السيبراني والسهر على ضمان صمود نظم معلومات الهيئات (إدارات الدولة والجماعات الترابية والمؤسسات والمقاولات العمومية وكل شخص اعتباري آخر خاضع للقانون العام).
– حماية البنى التحتية ذات الأهمية الحيوية والمتعهدين (مستغلي الشبكات العامة للمواصلات ومزودي خدمات الإنترنت، ومقدمي خدمات الأمن السيبراني، ومقدمي الخدمات الرقمية وناشري منصات الإنترنت)
– إجراء تقييم سنوي لأنشطة المديرية العامة لأمن نظم المعلومات.
– تشجيع البحث والتطوير في مجال الأمن السيبراني.

الإطار الاستراتيجي: المغرب الرقمي 2030

ويقصد بالإطار الاستراتيجي هو وضع رؤية ومخططات استراتيجية على المدى المتوسط والبعيد، تهمَ التحولات والتطورات الذي يعرفها المجال الرقمي، ووضع خطة استباقية لاستيعاب المخاطر والتحديات والتحولات في هذا المجال، وفي هذا الإطار، وضع المغرب مجموعة من الخطط والاستراتيجيات، مابين سنة 2005 و 2019وهي:

1. الخطة الخمسية 1999-2003 لتطوير قطاع الاتصالات والتكنولوجية الحديثة
2. الخطة الاستراتيجية للإدارة الإلكترونية “إدارتي” 2003-2007
3. مخطط المغرب الرقمي 2005-2010 (e-Maroc)
4. استراتيجية المغرب الرقمي 2009-2013
5. مخطط المغرب الرقمي 2020
6. توجهات التنمية الرقمية بالمغرب في أفق2025
7. استراتيجية المغرب الرقمي 20305
وجاءت استراتيجية المغرب الرقمي2030 كتتويج لهذه المخططات والاستراتيجيات وفي اتجاه التطوير والتجويد، وتجاوز الأعطاب، وترتكز هذه الاستراتيجية على توجهات عامة تتمثل فيما يلي:
• تسريع رقمنة الخدمات العمومية،
• بث دينامية جديدة في الاقتصاد الرقمي
• إنتاج حلول رقمية مغربية وخلق القيمة وإحداث مناصب شغل
• تطوير قطاع ترحيل الخدمات
• بناء منظومة خاصة بالشركات الناشئة
• ومواكبة رقمنة المقاولات الصغرى والمتوسطة

الخلاصة
إن التحول الرقمي بأضلاعه الثلاث (الإطار التشريعي والمؤسساتي والاستراتيجي) يشكل منظومة متكاملة في مجال الإصلاح الإداري والمالي والاقتصادي، ورافعة استراتيجية لتحقيق التحولات الشاملة في البلاد وتسريع التطور لتنفيذ العديد من المشاريع الكبرى وتعزيز تنافسية الاقتصاد المغربي، مما يتطلب التنسيق والتناغم بين هذه المكونات الثلاث، وإشراك كل الفاعلين من تقنيين وخبراء وقانونيين ومقاولين، والاستفادة من أحسن الممارسات في هذا المجال على المستوى الدولي، لضمان انتقال رقمي ناجح وفعال وتقليص الفجوة الرقمية، وتجاوز الأعطاب التي سجلها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في مجال الرقمنة ( تأخر في تنفيذ الاستراتيجيات، تغطية جغرافية ضعيفة على مستوى البنيات التحتية …..(، لجعل المغرب قطبا في مجال الصناعة الرقمية على الصعيد الجهوي والإفريقي.
لقد أظهرت جائحة كورونا أهمية التكنولوجيا الرقمية، حيث عوَّض الاتصال الرقمي الاتصال المادي المباشر بسبب الحجر الصحي الذي فرض التباعد المكاني كالتعليم والعمل عن بعد، وظهرت أهمية التكنولوجية الرقمية في استمرار أنشطة الدولة والشركات والمواطنين، وتبادل المعلومات والبيانات عن بعد، داخليا وخارجيا.

*باحث في علم السياسة والقانون الدستوري
Hbihkak65@gmail.com

المراجع:
1 ــــ رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي: نحو تحول رقمي مسؤول ومدمج، الجريدة الرسمية عدد 7070
2 ــــ التقرير العام للنموذج التنموي الجديد ص 135
3 ــــ سليمان العمراني: قراءة في المرسوم المحدث للجنة وطنية للتنمية الرقمية، “الأيام” عدد: 1060
4ــــــhttps://www.anrt.ma/ar موقع اللجنة الوطنية لتقنين المواصلات
5- Cour des comptes :Rapport sur l’ EVALUATION DE LA STRATEGIEMAROC NUMERIC 2013 , Rapport particulier n° 05/13/CH IV.Février 2014

التعليقات مغلقة.