الانتفاضة // يونس مسكين
في بلد تتضاعف فيه الهوة بين الفقراء والأثرياء، يصبح الهروب هو الخيار الوحيد.
ماذا تبقى لهؤلاء الشباب الذين لم يجدوا في مدنهم سوى الفقر والبطالة؟
كيف لهم أن يستمروا في البقاء في وطن لا يفتح أبوابه إلا لأولئك الذين يملكون المال أو النفوذ أو يجمعون بينهما في زواج سفاح؟
عندما يغيب الأمل في التغيير، يصبح الشاب المغربي أقرب إلى المهاجر في وطنه..
في بلادي غريب وبراني!
في بلادي ظلموني!
الهجرة نحو سبتة المحتلة ليست مجرد بحث عن فرصة اقتصادية، أو استجابة لنداء ماكر.. بل هي انعكاس لرغبة الشباب في العثور على بيئة تمنحهم الاستقرار الاجتماعي.
لو لم يكونوا يائسين، بائسين، لما نجح نداء أو إغراء صادر من ذئب تيكتوكي أو فيسبوكي في حملهم على رحلة “مشية بلا رجعة”.
هؤلاء الشبان يشعرون أنهم مهددون، في وطنهم، بعدم الاستقرار، نتيجة البطالة، وغياب الضمانات الاجتماعية، وانعدام أفق واضح لحياتهم في غياب أي مشروع، أو عرض، أو حلم موثوق.
إن السعي للهجرة يعكس شعورًا عميقًا بأن المغرب لا يوفر لأبنائه الحماية الاجتماعية التي يطمحون إليها، سواء تجسّدت في السكن، أو العمل، أو الرعاية الصحية.
هؤلاء الشباب لم يعودوا يرون في وطنهم ضمانة لبناء حياة كريمة، لذلك يغامرون بحياتهم بحثًا عن الأمان في بيئة جديدة قد تكون قاسية لكنها تقدم لهم الأمل في مستقبل أكثر استقرارًا.
سبتة ليست مجرد مدينة سليبة تقع على أطراف المغرب نزعم أننا سنسترجعها..
إنها رمز للأمل المفقود في الداخل..
أمل نزحف إليه مهما تعددت الأكاذيب وتنوّعت الأضاليل.
الشباب الذين يسعون لاقتحام سبتة اليوم، لا يبحثون عن حياة مترفة بقدر ما يسعون إلى الفرار من واقعهم المرير.
وسبتة بالنسبة إليهم مجرد باب للخروج من زنزانة الفقر والضياع..
إنها وعد بحياة ربما تكون أفضل.. بحياة تُحترم فيها حقوقهم.
رمزية سبتة تعكس فكرة أن الحدود الجغرافية ليست فقط بين دولتين، أو قارتين، بل بين عالمين: عالم اللامبالاة التي نعيشها في المغرب، حيث الفرص معدومة والأبواب مغلقة؛ وعالم أوروبا الذي، رغم تحدياته، يقدم وعدًا بحياة أكثر عدلاً وأملاً.
ومن لاحقناهم هذا الأحد وهم يتسلّقون الجبال نحو حدود المحتلّ، ليسوا أرقاما، ولا قطيعا ساقته نداءات مشبوهة صادرة من غياهب الإنترنت، بل هي أحلامنا تهرب منا.
قالها محمد الماغوط في كتابه الشهير “سأخون وطني” قبل عقود:
من الغباء أن أدافع عن وطن لا أملك فيه بيتاً أو قوت يومي.
من الغباء أن أضحي بنفسي ليعيش أطفالي من بعدي مشرّدين.
من العار أن أترك زوجتي فريسة للكلاب من بعدي.
الوطن هو حيث تتوفر مُقوّمات الحياة لا مُسبّبات الموت”.
التعليقات مغلقة.