الانتفاضة // محمد عصام
تفاجأ عموم المغاربة بالشكل الذي ظهرت به شبيبة التجمع الوطني للأحرار، خصوصا في الجلسة الافتتاحية لجامعتها الصيفية بأكادير قبل يومين، إذ تحولت تلك الجلسة لفضاء للرقص و “الشطيح والرديح” على أنغام وكلمات تافهة، لاعلاقة لها بالالتزام السياسي المفترض في شبيبة حزبية.
بالنسبة لي فما يسمى بشبيبة التجمع الوطني للأحرار منسجمة مع نفسها، فالرقص وهز الأرداف، جزء مما يمكنه أن نسميه “مشروعا سياسيا” لهذا الكائن الوظيفي، وبالتالي فإنه لا محل للاستغراب أو المفاجأة.
ولبيان ذلك، فمهم أن نعود للتاريخ ونستنطقه، فما يسمى فيدرالية شبيبة التجمع الوطني للأحرار، لم تؤسس إلا سنة 2017، بعد تولية أخنوش قيادة هذا الكائن، وذلك في إطار بناء نموذج تنظيمي يمكن أن ينافس حزب العدالة والتنمية بعد أن أخفقت خلطة “ولد زروال” في فرملة تقدمه في انتخابات 2015 و 2016.
فهذا الحزب لم يشعر منذ تأسيسه أو بالأصح تجميع مكوناته من طرف السلطة نهاية السبعينيات، إلى الحاجة إلى تنظيم شبابي، لأنه بكل اختصار كان يراهن في وجوده السياسي على الكائنات الانتخابية وعلى الأعيان، ولم يكن مستعدا لتحمل “وجع الرأس” الذي من المحتمل أن تسببه وجود شبيبة حزبية.
هذه الشبيبة التي لا يمكن أن تشبه الشبيبات كما عرفها التاريخ السياسي المغربي، وبالتالي فإطلاق اسم الشبيبة عليها هو من باب التجوز ليس إلا.
فالشبيبات الحزبية كانت على الدوام فضاءات للنقاش العمومي المرتفع وبأسقف عالية، وفضاءات لاجتراح المبادرات الجريئة، وكانت أيضا وفي الغالب تشكل الضمير الحي للأحزاب التي تنبثق منها، وكانت تمارس نوعا من الشغب الديمقراطي المرغوب فيه وتكرس جنسا محمودا من الرقابة على القيادة السياسية، ولهذا كان صوتها مسموعا ومبادراتها ذات أثر على المشهد برمته، وأدوارها حاسمة في صياغة التوجهات وانتاج المواقف القوية.
أما في حالة الحزب الأزرق، فنحن أمام شبيبة زرقاء بالمعنى “الشعبي” لهذه الكلمة، تم تأسيسها على عجل، لاستكمال عُدة المهمة الوظيفية التي جيء بأخنوش للقيام بها، ولهذا فهي لم تكن قط وليدة فكرة معينة، ولم يكن المنخرطون فيها يحملون هم فكرة أو تصور معين، كما أنهم لم يكونوا نتاج تدافع أو نضال ميداني ما، فأغلبهم ملتحقون جدد ركبوا على عجل في قطار أخنوش، ورضوا لأنفسهم أن يكونوا أدوات وظيفية في المشروع الذي تتم طبخه في الدهاليز المظلمة، والذي كان البلوكاج الشهير أولى حلقاته الخبيثة، ليستمر الإعداد لبقية حلقاته بسرعة متناهية، عبر محطات “مسار الثقة” ثم ” 100 يوم 100 مدينة” ولتنتهي المرحلة الأولى للمخطط بانتخابات 8 شتنبر.
وللتدليل على ما نقول، فكل الخيوط التنظيمية للشبيبة توجد في يد أخنوش فهو من يرفع ويخفض، فهو من عيَّن يوسف شيري رئيسا للشبيبة، وهو من أقاله وعيَّن بدلا عنه الرئيس الحالي، دون أن يعرف أحد الأسباب وراء ذلك، غير ما يتم تداوله من حكايات من أن أخنوش كان غاضبا على شيري لعدم فعالية دفاعه عن رئيسه في الحزب وعن شركته في المحروقات بعد إطلاق حملة المقاطعة التي أوجعته كثيرا.
وكيفما كانت الأسباب فإن ذلك لا يهم، بقدر ما يهم كيف لتنظيم شبيببي المفترض فيه أن يكون تنظيما حيا بديمقراطيته الداخلية، أن يقبل على نفسه هذه الوصاية، ويرضى بأن يتم حرمانه من أبسط الحقوق الديمقراطية والمتعلقة باختيار قيادته بإرادته، وأن يقبل أن يقرر الآخرون في مصيره عبر سلطة التعيين.. بل كيف يمكن الحديث عن الشباب من الأصل في ظل فقدان “القرار” و”سلطة تقرير المصير” بهذا الشكل الموغل في الانبطاح و “الاستسلام”.. فالشبيبات عموما كانت وستبقى عنوان الاستقلالية والتعبير الأمثل عن إرادة التحرر وعدم الخضوع.. ولهذا قلنا منذ البداية أن اسم الشبيبة في الصيغة الزرقاء هو نوع من التجوز ليس إلا.
قال أخنوش في افتتاح جامعة شبيبته أن الأستاذ عبد الإله ابن كيران هو مؤشر على الفشل السياسي !!!!
الجواب: أكبر مؤشر على الفشل السياسي هو الرقص والشطيح والرديح الذي اقترفه شباب حزبك غير بعيد عن ضحايا الزلزال بأقليم تارودانت والحوز وقريبا أيضا من ضحايا فيضانات طاطا، ولو أنك تملك مثقال ذرة من احترام المغاربة، لقدمت اعتذارك لهم على رؤوس الأشهاد، ولحاسبت المسؤولين عن اقتراف تلك الرداءة.
أما ابن كيران في ذلك الوقت بالذات، فقد كان على موعد ديمقراطي كامل الأوصاف، حيث كان يستمع لانتقادات شبيبته اللاذعة حينا والمعاتبة حينا آخر بكل أريحية وفي جو ديمقراطي رفيع، محاولا إقناعهم بأدوات السياسة وليس بالرقص “على وحدة ونص”!!!!!
التعليقات مغلقة.