الانتفاضة
حين بلغ إلى علم الرأي العام الصويري خبر تحرير شرطي المرور مخالفة مرورية في حق ابنه ، انتشر الخبر كالنار في الهشيم ، وأجمع الكل على أنها سابقة ينبغي التهليل لها والاحتفاء بها. ففي العادة ، يتم غط الطرف عن تجاوزات الأقارب وذوي النفوذ ، وقد يجد شرطي المرور أو المسؤول الأمني حرجا وهو يتلقى المكالمة بعدم تطبيق القانون على قريب ، وفي ذات الوقت يتلقى اللوم على تسامحه وعدم تطبيقه للقانون في البعض الآخر ……
مفارقات وتناقضات يعج بها المجتمع ، ويتشبت بها البعض رغم أنها أضحت متجاوزة وغير مقبولة أخلاقيا ومهنيا.
ففي بعض الدول المتقدمة ديمقراطيا لو سُجِّلت المخالفة ضد وزير أو رئيس دولة فلن يثير الخبر ضجة ولا تعجبا واستفهاما ، لأن تطبيق القانون ضد المخالف أمر طبيعي يصر المجتمع على صيانته وجعله تربية تسير على منوالها الأجيال القادمة، اعتبارا أن المواطنين سواسية أمام القانون ، وأن الأحكام كما تسري على الغني تسري على الفقير، وعلى الحاكم والمحكوم ، وأن الشيء الغير عادي الذي يثير امتعاض الرأي العام وغضبه هو الانزياح عن تطبيق القانون ، والتمييز بين مواطنين لهم نفس الالتزامات والحقوق نحو الوطن الأم، وعليهم نفس الواجبات.
في الدول المتخلفة هناك العكس، ففي الحروب مثلا ، اول من يدافع عن الوطن ، ويبدي استعداده لفداء الوطن هم ابناء الشعب من الوسط الفقير والمتوسط ،أما أبناء الأثرياء ، فهم يتوفرون على الفيزات والاقامات بل والجنسيات ويتسابقون نحو المطارات لحجز مقاعدهم على أمل العودة إلى الوطن بعد هدوء العاصفة ،والاستفادة من أفضل المناصب.
عدة مؤشرات تطمئن المواطنين على أن المغرب في طريقه للقطع مع مجموعة من مظاهر التخلف والتسيب والميز العنصري ، وما المحاكمات التي طالت رؤوسا كنا نعدها من المحصنات التي لا يقترب ساحتها القانون ، من الوزراء السابقين ، والبرلمانيين ورجال السلطة ، ورجال الأعمال……. إلا دليل على ان المغرب يتطلع للحاق بركب الدول المتقدمة ديمقراطيا، ويفي لاختياره الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة، وهذا ما أكد عليه دستور المملكة المغربية.
شكرآ لشرطي المرور بمدينة الصويرة الذي فتح أعيننا على ظاهرة آيلة إلى الزوال، وأعطى درسا بليغا للذي يرغي ويزبد ويتباهى بسلطته ونفوذه وقدرته على التطاول على القانون ، علما أن الأمر لا يعدو سابقة ،فكثيرة هي المواقف النبيلة والصارمة التي صدرت وتصدر عن مسؤولين كبار ، ولا يصل صداها إلى الرأي العام ، أو يمُر خبرها كَمَرِّ السحاب بلا ضجيج ولا غبار.
التعليقات مغلقة.