مراكش.. الحقيقة والخيال

الانتفاضة // محمد المتوكل

لا ننكر ان مدينة مراكش التاريخية ليس هي مدينة مراكش الحالية، فمراكش التاريخية سادت الامم، بينما مراكش الحالية فسدت فيها الامم، للاسف الشديد.

ففي الطريق الى جامع الفنا الذي يعتبره المراكشيون (المقلوبة عليهم القفة)، بانه ساحة عالمية ورمز لثراتهم، وهو في الحقيقة ليس الا ساحة للفوضى والصراخ والزعيق والنعيق ومختلف مظاهر العبثية التي لا تريح احدا، وتعطي انطباعا للزائر انه امام تكثلات بشرية متماوجة ومتمايلة وكل يبحث على ليلاه و (كلها يلغي بلغاه).

الطريق الى الساحة مملوءة عن اخرها، وسط زحام السيارات وطيش اصحاب الدراجات النارية، والذين لا يحترمون احدا ، بل و (يسوطون) حتى في الضوء الاحمر، واكثر الجوادث المسجلة في مراكش اسبابها هم اصحاب الدراجات.

فمدخل الساحة يستقبلك برائحة بول الخيل المرابطة بالساحة وروثها (الكوتشيات) في انتظار زبون محتمل، اما جنبات الساحة فمملوءة بالحفر والمطبات والتي تشكل عائقا حقيقيا لحركة السير والمرور والجولان بالساحة.

اما وسط الساحة فيوحي للزائر وكانه وسط (شي عروبية) او سوق اسبوعي كل (ينش على كبالته)، اصحاب الحناء يصيحون ويتمتمون بعبارات فرنسية هجينة طلبا للزبناء، اما اصحاب العصائر فيكادون يفرضون عليك العصير ب (الزز)، اصحاب الحلقيات من مروضي الافاعي والقردة تستطيع ان تقرا في وجوههم افة الفقر والحاجة والخصاص، اما الزائرون فلكل وجهته منهم من جاء لاستكشاف المكان، ومنهم من جاء لغرض في نفس يعقوب، ومنهم من جاء لغرض في في نفسه، ومنهم ومنهم ومنهم، مشكلين في الاخير لوحة فوضوية قاتمة لا تصلح الا للرمي للاسف الشديد.

صنفت الساحة ضمن الثرات الخاص باليونيسكو، لكن لم يصنف المراكشيون ضمن الاغنياء، وبقوا تحت درجة الصفر من الفقر، وبالكاد يجدون قوت يومهم، و (بالزز) يحصلون على (خبزة حلالية)، وبصعوبة يضمنون قوت يومهم علما ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وخاصة مع ارتفاع الاسعار، وغلاء المعيشة، والبطالة المتفشية في الشباب، واستيلاء الاغنياء على كل شيء في مراكش، وتنامي الطبقة المخملية والتي ولدت وفي فمها ملعقة من ذهب، وتحول مراكش الى ملحقة فرنسية بامتياز في عز شراء الرياضات والفيرمات وغيرها.

امام هذا الوضع المشين تنامت عوامل السرقة والخطف والنشل والسرقة تحت التهديد والابتزاز، وانتشار مقاهي الشيشا والحانات والخمارات والعلب الليلية والفنادق الجنسية وانتشار العري في كل مكان وخاصة مع اجواء الصيف الحارة، واحتلال الملك العمومي، والظلام الدامس الذي يسود معظم الدواوير المحيطة بمراكش، والتي تعتبر قنبلة موقوتة يمكن ان تنفجر في اي وقت، اضافة الى تداعي البنية التحتية، والانقطاع المتكرر للماء الصالح للشرب، والتدبير السيء للمشاريع والتي يتم توزيعا بالكوطا و (باك صاحبي) والمعرفة والاقرب اولى، و غزو مقاهي القمار والكازينوهات، دون ان ننسى الانتشار الواسع (للبوعارا) ومغاربة (البركاصة) والمتسولون وغيرها من الامور المسكوت عنها في مراكش والتي يتم تغطيها كما تغطى الشمس بالغربال.

بقي ان نشير الى ان مراكش لا تعدو ان تكون عبارة عن (عروبية) و (مصبغة بالاحمر) ولا تليق بها كل تلك الهالة الاعلامية المنفوخ فيها، والمحورة لحقيقتها التي تبدو للعيان، وتنقصها سنوات ضوئية لتكون مدينة سياحية وعالمية كما يتم الترويج لها اعلاميا وهي عكس ذلك تماما.

نتمنى ان تلتقط السلطات المحلية والجهوية والوطنية والاعلام الجاد والمنصف والحقيقي والصحافة الملتزمة والمنتخبون والسياسيون والفاعلون المجتمعيون والاقتصاديون والحقوقيون والمجتمع المدني هذه الاشارات املا في جعل مراكش وغيرها من مدن المغرب مدنا وليس (عروبية ومصبغة بالوان مختلفة لا تعكس حقيقتها ولا ماهيتها مع كامل الاسى والاسف).

التعليقات مغلقة.