الانتفاضة // متابعة
أرسلت 744 شخصية من الحقوقيين والمثقفين والأكاديميين في العالم العربي مذكرة إلى الأمين العام ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة تطالب فيها الأمم المتحدة بإصدار قرار جديد يعتبر “الصهيونية” شكلا من أشكال العنصرية في ضوء جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتهجير القسري التي ترتكبها إسرائيل في غزة منذ أكثر من تسعة شهور.
ولفتت المذكرة إلى أن “الجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذت القرار رقم 3379 في 10 نونبر 1975، القاضي باعتبار “الصهيونية شكلًا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري”، في ظرف حظي به نضال الشعب العربي الفلسطيني من أجل حقه في تقرير مصيره باحترام كبير، لاسيما بعد تحرر العديد من شعوب وبلدان آسيا وأفريقيا من ربقة الاستعمار، إثر صدور القرار رقم 1514 من الجمعية العامة للأمم المتحدة، القاضي بإنهاء الكولونيالية في العام 1960، وأصبحت قضية فلسطين، باعتراف أوساط دولية حكومية وغير حكومية، قضية تحرر وطني لشعب عانى من الاحتلال.
لكن الأمم المتحدة، في سابقة خطيرة، ألغت هذا القرار في 16 كانون دجنبر لعام 1991، مخالفة بذلك المعطيات التي استندت إليها حين اتخذت هذا القرار التاريخي”.
وأرجعت المذكرة السبب في التراجع عن توصيف طبيعة الصهيونية العنصرية، إلى اختلال موازين القوى على المستوى العالمي، وانحلال الكتلة الاشتراكية، وهيمنة الولايات المتحدة على العلاقات الدولية، وتفردها بالقرار الدولي، الأمر الذي ترك تأثيرا سلبيا مضاعفا على الشعب العربي الفلسطيني، ضحية السياسات التميزية العنصرية من جهة، وعلى قضية السلم والأمن الدوليين من جهة أخرى، منوهة إلى أن التطور الخطير في الوضع الدولي حينذاك وعشية إلغاء القرار 3379، لم يمنع الحركة الحقوقية العالمية وأنصار السلام والتحرر من مواصلة نضالهم لدعم الشعب العربي الفلسطيني، وإظهار حقيقة الممارسات العنصرية الاستعلائية.
ونوهت إلى أنها فعلت ذلك بوعي وإدراك أن تلك الخطوة غير المسبوقة، التي اتّخذتها الأمم المتحدة، تمت في ظرف ملتبس، حيث ناقضت الأمم المتحدة نفسها، في الوقت الذي كان العالم فيه يشهد على نهج إسرائيل العنصري، وارتفاع وتيرة عمليات الاستيطان والترحيل وقضم الأراضي وإجلاء السكان بصورة ممنهجة لإلغاء الوجود الفلسطيني بالضد من الشرعية الدولية وقراراتها، بما فيها قرارا مجلس الأمن 242 لعام 1967 و338 لعام 1973، اللذان يعلنان صراحة على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة، حيث لا يجيز القانون الدولي المعاصر ضم الأراضي بالقوة، إضافة إلى أن مجلس الأمن اعتبر قراري الكنيست في ضم القدس والجولان باطلين ولاغيين، كما أن محكمة العدل الدولية قررت في العام 2004 أن بناء “جدار العزل” (جدار الفصل العنصري)، باطلا، وأمرت بتفكيكه وتعويض المتضررين من بنائه.
وبينت المذكرة ذاتها، أن إسرائيل ما تزال تتنكر لقرارات الأمم المتحدة، ولاسيما للقرار 181 لعام 1947 وقرار حق العودة 194 لعام 1948، إضافة إلى حزمة أخرى من القرارات التي تدين ممارساتها العنصرية وإنكارها لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، وهو الأمر الذي واجهته إسرائيل والقوى التي تقف خلفها في “مؤتمر ديربن الدولي” (جنوب أفريقيا) بخصوص العنصرية في العام 2001 ، حيث أدانت فيه نحو 3000 منظمة دولية حقوقية وإنسانية ممارسات إسرائيل العنصرية، مضيفة “إن ما يدعونا لتوجيه هذه الرسالة إلى هيئة الأمم المتحدة، هو أن إسرائيل تعلن صباح مساء، أن عقيدتها السياسية هي الصهيونية، وأنها استنادا إلى هذه العقيدة تقوم بممارسة العدوان اليوم على غزة منذ 9 أشهر، وهو ما شهد الأمين العام على وحشيته وأبدى تعاطفه مع الضحايا إنسانيا، حيث سقط ما يزيد على الـ 170 ألف إنسان ما بين قتيل وجريح، إضافة إلى تدمير المرافق الحيوية والبنية التحتية والمدارس والمستشفيات والجوامع والكنائس ودور العبادة، واستهداف الطواقم الطبية وفرق الإغاثة، فضلًا عن قطع الماء والغذاء والدواء والكهرباء والوقود وأبسط مقومات الحياة الإنسانية”.
وشدد المصدر ذاته، على ما يتعرض له أكثر من مليوني إنسان فلسطيني من كارثة بشرية غير مسبوقة، في حرب إبادة جماعية وحشية، ارتكبت فيها أبشع أنواع الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحروب، خلافا لقواعد القانون الدولي الإنساني، ولاسيما لاتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977، الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة؛ والثاني الذي يتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة غير الدولية، موضحا أن هذه الممارسات الجديدة القديمة، تجعل من إسرائيل دولة مارقة وخارجة عن القانون الدولي، بل إنها تقف على نحو سافر بالضد من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يقر بحق الشعوب بتقرير مصيرها، فضلا عن احترام حقوق الإنسان، وهو موضوع لا يمكن المرور عليه مرور الكرام، لأنه يتعلّق بصلب العقيدة السياسية لإسرائيل، الأمر الذي يضعها في قفص الاتهام، فضلًا عن قياداتها السياسية والعسكرية، حسب قرارات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
وأشارت المذكرة إلى حقيقة أن العالم أخذ يتلمس على نحو كبير، بما فيه بعض يهود أمريكا وأوروبا والعديد من الأوساط الغربية، ولا سيما الطلابية والشبابية، خطورة الصهيونية على العالم المتحضر، بل أصبح الاعتقاد يتسع وفقا للمعيار القانوني، بأن الصهيونية شكل جديد من أشكال العنصرية ونظام الأبرتايد، الذي لم يعد له وجود كنظام سياسي في العالم بعد انتهاء نظام جنوب أفريقيا العنصري، سوى في إسرائيل، مبينة أن ذلك انعكس على ارتفاع رصيد دولة فلسطين، التي صوت لها مؤخرا 143 دولة اعترفت بأحقيتها في أن تكون عضوا كامل العضوية في الأمم المتحدة، وهو ما أدى إلى اتساع نطاق الاعتراف الدولي بها، كما حدث حين اعترفت إسبانيا وإيرلندا والنرويج، وكأنه رد فعل على الممارسات العنصرية الصهيونية.
وقالت المذكرة، “إننا كمثقفين وحقوقيين وأكاديميين ودعاة سلام قائم على العدل في العالم العربي، ننطلق من القيم الإنسانية والحقوقية التي نؤمن بها، ويشاطرنا فيها مثقفون وحقوقيون ودعاة سلام من مختلف أنحاء العالم، نخاطبكم، بحكم مسؤولياتكم، لمراجعة قرارات الجمعية العامة السابقة، بما فيها العدول عن إلغاء القرار 3379، الذي يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، وإصدار قرار جديد يؤكد هذا المضمون، وما ارتكبته وترتكبه دولة إسرائيل كنظام استعماري كولونيالي من جرائم حرب وعدوان وإبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية، لا بد أن يلاحق مرتكبوها ولا يفلتوا من العقاب.
ونوهت المذكرة إلى أن حرب الإبادة الجماعية التي تمارسها السلطات الإسرائيلية بدم بارد ودون أي اعتبار قانوني، أو أخلاقي، أو ديني أو إنساني، تؤكد على ضرورة، بل ومشروعية مثل هذا المطلب الإنساني الذي يؤكد حقيقة الممارسات العنصرية والعقيدة السياسية التي تبررها.
ودعت المذكرة إلى ضرورة أن تعمل كل المنظمات والقوى والمجموعات الثقافية والدول والحكومات، وكل من يعتقد أن الصهيونية وجه جديد للعنصرية المتجسدة في الممارسات الإسرائيلية التي قامت عليها منذ العام 1948 وإلى اليوم، على تحقيق هذا الهدف، “وسنسعى إلى تحقيق المزيد من التضامن مع الشعب العربي الفلسطيني، ليتمكن من تقرير مصيره بنفسه، وإقامة دولته الوطنية المستقلة القابلة للحياة وعاصمتها القدس الشريف، وعودة اللاجئين، وتعويضه عما لحقه من غبن وأضرار، وما أصابه من دمار وخراب طيلة ما يزيد عن ثلاثة أرباع القرن، وتلك هي مسؤولية دولية عظمى تقع على عاتق الأمم المتحدة وجميع القوى المتنفّذة”.
ومنذ 7 أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربا مدمرة على غزة بدعم أمريكي، خلفت أكثر 130 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على الـ10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة عشرات الأطفال.
التعليقات مغلقة.