الأزمي يرد على أخنوش: لا تقشف ولا إفراط بل تضامن ومسؤولية واعتدال

الانتفاضة

أتذكر جيدًا صورة تلك الفتاة التي كانت تشير إلى بلاص ليمانس وتشكي بحرقة أمام كاميرات التلفزة: “انظُروا جيدًا أين نعيش، أنظروا للحفر، لا أرصفة ولا طرقات. أنظروا، لا أثر لنبتة خضراء في حيّنا، لا حدائق ولا مناطق خضراء. لا مدارس، ولا نوادي رياضية، ولا مراكز ثقافية. نعيش على هامش المجتمع في عطالة دائمة، نعيش في أحياء الغيتو، وشبابنا يواجَهون بالميز والعنصرية. نحن ضائعون نطالبكم أن تنقذونا وإلا سنموت كلنا في هذه الجحور المنسية..”

بعدها ستتحرك الحكومة لتخصص اعتمادات مالية مهمة للنهوض بتلك المناطق المهمشة وتأهيل شبابها لتسهيل اندماجهم في المجتمع البلجيكي.. بعد ثلاثة وعشرين سنة وبالضبط مساء الجمعة الماضية ستنطلق انتفاضة أخرى لشباب من أصول مغربية في نفس الأحياء.. كمواطنة تتقاسم وإياهم نفس الأصول، شعرت بالغبن والأسى وأنا أتابع فيديوهات الشغب.. رباه ! ما الذي حدث كي يخرج هؤلاء الشباب ويكسرون الحجر الصحي الشامل قبل أن يكسروا السيارات بنفْس الشراسة وبنفَس عدواني نجهل أبعاده..‏ السبب هو مقتل شاب في التاسعة عشرة من عمره، عادل هو آخر عنقود في عائلته، مصاب بداء السكري، لا يدخن ولا يتعاطى المخدرات ولا يشرب الكحول. شاب يحبُّ أصدقاءه ويحبّونه. مهووس بركوب دراجته السكوتر وبمشاهدة الأفلام.. لا يختلف في ذلك عن كثير من أقرانه البلجيكيين.. ولو أنه لا يتوفر في شقتهم الصغيرة على حديقة يمرح فيها خلال فترة الحجر المنزلي. ليس له أي سوابق عدلية..

غير أنه في ذلك المساء، قرّر مغادرة الشقة لكي يتنفس بعض الهواء. قام بإصلاح دراجته النارية ليحاول تجريبها أمام البيت. لذلك لم يكن مرتديا خوذة على رأسه. وكل ذنبه أنه لم يمتثل لأوامر البوليس بالوقوف.. خطأ جسيم على ما يبدو سيكلفه حياته لينتهي جثة هامدة تحت عجلات سيارة البوليس على بعد خمسين مترا من بيت الأسرة. يقول صديقه إنه كان خائفا من ردة فعل أبيه، كان خائفا من غرامة أو محضر مخالفة.. هل لشاب صغير يخاف من والديه أن يفقد حياته في مطاردة بوليسية لا مجال للنجاة منها، محصورا بين سيارتين في ما يشبه السندويتش: الأولى تطارده من الوراء والثانية تصدمه من الأمام بقوة؟

لتهدئة الأوضاع طالبت عائلة الضحية عادل الشباب المنتفضين بالدخول إلى منازلهم، وتركهم يعيشون فترة الحداد بسلام، ففقدان صغيرهم مصيبة عظمى، ولن يحتملوا خسارات أخرى..

الأخبار تتناسل على مواقع التواصل الاجتماعي، المعطيات تتضارب، والتصريحات العنصرية تواجه بالرفض والتنديد من طرف المهاجرين والحقوقيين وكل الديموقراطيين البلجيكيين ولا سيما تصريحات بعض المسؤولين السياسيين اليمينيين الذين يعلقون إفلاس سياساتهم على المهاجرين وأبنائهم. انتظرتُ نشرات الأخبار كي أحصل على الخبر اليقين، لكن لا أثر لأحداث بلدية أندرلخت. أخبار سريعة موجزة عن الحادث.

عقدت الدهشة لساني، كيف يحدث مثل هذا التعتيم في بلد حرية الصحافة والتعبير؟

سنة 2017 كان وسيم وصابرينا يركبان دراجة كهربائية، وسيفقدان حياتهما في مطاردة بوليسية مشابهة أيضا بمنطقة لويز.. ولحدّ الآن، العدالة لم تعترف بمسؤولية الجناة. وآخر سيسقط صريعا أمام غاليري غاڤنشتاين بعد مطاردة انتهت بدهسه بسيارة البوليس. الحوادث تتعدد، والضحايا في تزايد، والصمت هو القاضي والحكم.. أصدقاء عادل يعلمون بأن أحدهم قد يأتي عليه الدور قريبا. فالمرحوم عادل ليس سوى رقم في لائحة الضحايا، ولن يكون الأول ولا الأخير.

فمن يجرؤ على إعادة بناء علاقة جديدة بين شباب أحياء الغيتو وبين رجال البوليس؟ من يعيد بعض الحياة إلى علاقة هي سجينة صورة سلبية عن الشباب من أصل مغربي على اعتبار أنه لا ينفع معهم غير الحديد والنار؟

وهنا يأتي السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، أين مؤسساتنا الوطنية؟ أين برامج التأطير؟ أين برامج مجابهة العنصرية ومكافحة الميز العنصري؟ لماذا لا نعقد شراكات واتفاقات تهدف إلى إنقاذ الأجيال الجديدة للهجرة؟ وما الذي علينا أن نفعله هنا وهناك من أجل مستقبل أكثر سلما وأمانا؟ ما الذي علينا أن نفعله؟

التعليقات مغلقة.