التغييرات السياسية المتوقعة في عهد العاهل السـعودي الجديـــد الملك ســــلمان بن عبد العزيز

سليمان نمر

لاشك ان رحيل العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز جاء في وقت عصيب يمر به العالم العربي والمنطقة حيث القلاقل السياسية والاضطرابات الأمنية تهدد مصير غير بلد عربي، وهذه الظروف الخطيرة لاشك تلقي بانعكاساتها السياسية والأمنية على المملكة العربيةالسعودية.
واعتمد نهج العاهل السعودي الراحل في مواجهة مخاطر هذه الأوضاع داخليا بالعمل على تأمين سلامة وأمن واستقرار الجبهة الداخلية خصوصا من مخاطر الإرهاب ومحاولاته المتكررة لتهديد أمن المملكة.
وخارجيا اعتمد نهج خادم الحرمين الشريفين الراحل على إقامة التحالفات الخليجية أولا والعربية ثانيا والدولية ثالثا، لمواجهة ليس مخاطر الإرهاب فقط بل أيضا لمواجهة التدخلات الاقليمية (الإيرانية) التي تريد فرض الهيمنة «الفارسية» على المنطقة.
فرأينا العاهل الراحل يعزز من مسيرة التعاون الخليجي المشترك ويدعو إلى تحويل مجلس التعاون إلى اتحاد خليجي، وبدأت مسيرة هذا الاتحاد بالاتفاق على اقامة حلف عسكري خليجي، على غرار حلف شمال الاطلسي (الناتو) – كما أقرت ذلك قرارات قمة الدوحة الخليجية الشهر الماضي-، وسيعزز هذا الحلف العسكري عربيا بضم الأردن والمغرب ومصر إليه في وقت لاحق.
وترى المملكة العربية السعودية ان إقامة مثل هذا الحلف المدعوم بتحالف سياسي خليجي -عربي، سيعمل على تحقيق نوع من توازن القوى الاقليمي مع إيران يمنع طهران من مد نفوذها وفرض وصايتها على دولها كما هو حاصل في سوريا والعراق وفي لبنان تقريبا، وهذا الحل الخليجي العربي سيمنع من ان تتعامل إيران مع العالم والغرب بشكل خاص على أساس انها القوة الاقليمية الأكبر ان لم نقل الأوحد في المنطقة.
ولا يعني إقامة هذا الحلف الخليجي- العربي، فك التحالف السعودي والخليجي مع الولايات المتحدة والغرب، بل سيتم تعزيز التحالف الخليجي الأمريكي من موقع أكثر ندية، لاسيما ان المملكة ودول الخليج أصبحت تتخوف من مصالحة إيرانية ـ أمريكية تلوح في الافق ستعيد رسم الخريطة السياسية للمنطقة على حساب مصالح الدول الخليجية والعربية.
ومن أجل تعزيز هذا الحلف الخليجي وتقوية شوكته عربيا واقليميا ادركت السعودية انه لا بد من ضم مصر إليه، ويتم ذلك من خلال دعم نظامها الحالي ودعم اقتصادها المنهك حتى تستطيع مصر ان تستعيد دورها القيادي في المنطقة، وهذا الدور القيادي لا تخشى منه دول الخليج، لذلك رأينا السعودية وشقيقاتها الخليجيات تقدم الدعم الاقتصادي والتأييد السياسي لمصر ونظامها الجديد، بل وقام الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز بالمبادرة لتحقيق مصالحة مصرية ـ قطرية حتى لا يكون هناك أي خلل في التحالف الخليجي المصري المنشود.
واذا كان هذا نهج الملك الراحل رائد التضامن العربي والعمل العربي المشترك، إلا ان ذلك سياسة دولة قائمة على اسس ومفاهيم ليست مرتبطة بشخص بقدر ما هي مرتبطة بمصالحها، والعاهل السعودي الجديد الملك سلمان بن عبد العزيز كان شريكا في وضع هذه السياسة وهو أحد أعمدة صنع القرار في المملكة منذ عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز.
وعند تسلمه وزارة الدفاع السعودي بالإضافة إلى ولايته للعهد وجدنا ان المملكة أصبحت تغذ الخطى لتحديث جيشها وتطويره وتحويله إلى قوة ضاربة تكون عمادا للجيش الخليجي المشترك ـ وليس الموحد ـ الذي منه سيتشكل الحلف العسكري الخليجي.
لذلك فمن المؤكد ان العاهل السعودي الجديد الملك سلمان سيواصل نهج سلفه الراحل لان هذا النهج هو سياسة ثابتة سارت عليها المملكة وشارك الملك الجديد في رسمها، لذلك ليس من المتوقع حدوث تغييرات دراماتيكية في السياسة السعودية ولكن سنرى تفعيلا للدور السياسي السعودي الذي عانى من بعض الترهل خلال الأعوام القليلة الماضية بسبب مرض العاهل الراحل وبسبب حاجة الإدارة السياسية السعودية إلى تجديد دمائها. ولاشك ان تفعيل الدور السياسي السعودي يحتاج إلى تعزيزه بضخ دماء جديدة في الإدارة السياسية، وهذا هو المتوقع من الملك سلمان بن عبد العزيز المعروف بانه صاحب «كاريزما قيادية» جعلته موضع حب وقبول عند أمراء الأسرة الحاكمة وشعبه، وتجعله هذه المحبة الرجل المؤهل لإحداث تغييرات في الإدارة السياسية والحكومية في المملكة.
ولانه موقع حب واجماع داخل الأسرة الملكية الحاكمة ولدى المواطنين، لم يكن من الصعب عليه ان يستهل عهده بتعيين وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد وتعيين نجله الأمير محمد بن سلمان الذي عينه وزيرا للدفاع بالإضافة لرئاسة الديوان الملكي .
وتعيين هذين الأميرين في هذين الموقعين الهامين على الصعيد الأمني والسياسي يعني ان العاهل السعودي الجديد بدأ بفتح الطريق أمام الأجيال الجديدة من أبناء الأسرة لادارة شؤون الحكم، وبالتالي ضخ دماء جديدة في الحكم.
 ولاشك ان تعيين نجله الأمير محمد بن سلمان وزيرا للدفاع يعني ان الملك سيواصل اشرافه الشخصي على المؤسسة العسكرية السعودية التي وضع لها في عهده حين كان وزيرا للدفاع خططا لتطويرها ليصبح الجيش السعودي القوة الخليجية الضاربة في المملكة.
وتعيين وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف (الناجح والموضع تقدير سعوديا وخارجيا بسبب نجاحه في مكافحة الإرهاب وملاحقته حتى خارج المملكة ) وليا لولي العهد ونائبا ثانيا لرئيس الوزراء، يعني أيضا ان العاهل السعودي الجديد اطمأن على أوضاع المملكة الأمنية الداخلية، وهذا جزء من ترتيباته لأوضاع البيت الداخلي، حتى يستطيع ان يفعل الدور السياسي وحتى الأمني السعودي الخارجي عربيا ودوليا تساعده في ذلك شبكة العلاقات السياسية وحتى الشخصية العربية والدولية التي استطاع بناءها منذ ان كان أميرا لمنطقة الرياض ومن بعد ذلك وزيرا للدفاع ووليا للعهد حيث كان يعامل كـ»رجل دولة وصاحب قرار».
وبسبب شخصية الملك سلمان الحازمة والإدارية المتشددة يتوقع ان تكون هناك مقاربات جديدة أو بالأحرى أساليب جديدة في تعامل الإدارة السياسية السعودية مع الملفات العربية والاقليمية التي تهم المملكة خصوصا الملفات والأوضاع العاجلة وأولها الوضع في اليمن الذي أصبح يهدد المملكة بعد سيطرة الحوثيين، وبتآمر مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، على مقاليد السلطة في اليمن. ويتوقع ان تتخذ السياسة السعودية اسلوبا أكثر حزما وتشددا في التعامل مع الآخرين وخصوصا الخصوم السياسيين مثل إيران وغيرها، لان العاهل السعودي الراحل كان أكثر مراعاة للظروف والعوامل الإنسانية في نهجه السياسي.
لذلك هناك تغيير متوقع ليس في السياسة السعودية بقدر ما سيكون في اسلوب الإدارة السياسية لهذا النهج.

التعليقات مغلقة.