الانتفاضة
بقلم : محمد السعيد مازغ
حكاية بطعم الواقع :
في مدينة صغيرة ، تعَمَّد مسؤول ركوب سيارة أنيقة قبل الشروع في مهمة جماعية خوَّلَتْها له صناديق الاقتراع ، فأصبحت السيارة الجديدة قضية رأي عام محلي، و تساؤلات لا حدود لها، هل اشتراها من أمواله الخاصة، ام هي هدية من أقرب الناس إليه، ام من جهة ما لها أطماع مستقبلية ، وكانت سباقة لإهدائه السيارة كعربون محبة وتأكيد على استمرارية ” دهن السير يسير” ، كي تٌيَسَّر الطريق وتٌدَلَّل الصعاب..
لم يتوقف الانشغال بالآخر عند هذه الحدود، بل تجاوزه إلى ما يدخل في التركيبة النفسية للشخص ونواياه ، فهو تعمّد الظهور بها قبل أن يشرع في تسلم المهام، حتى لا يقال ،ان المال العام ظهر أثره على صاحبه. هذه واحدة من الأمراض المزمنة التي أصيبت بها بعض المجتمعات ، وبات شغلها الوحيد، وهمها الأوحد، هو مراقبة كل صغيرة وكبيرة، وحشر الأنف حتى في المسائل الشخصية كطريقة اللباس، أو خلع الحذاء من عدمه في زيارة خاطفة لأحد المزارات الدينية.
وفي أجندة الفضوليين، يدخل صراع نواب الرئيس وتهافتهم على الانفراد بسيارة الخدمة، و مكتب، و مهمة ….. ، ويتجدد الحديث عن الريع وعن الأنا ، وعن تصفية الحسابات بدلا من الصراع على الملفات الشائكة، والدخول في مناقشات من أجل حلها..
هذا الواقع البئيس غالبا ما تُبْتلى به المدن الصغيرة، و الجماعات المنغلقة على الذات، وهي نتيجة فشل ذريع في دفع الساكنة للانشغال بما ينفعها في حياتها اليومية، من فرص الشغل ، والأنشطة الرياضية والثقافية، وفي التجارة او الفلاحة والاستثمار، وفي التعلم ومحاربة الأمية والجهل.. ، نجد ان كثيرا من المواطنين وخاصة فئة الشباب ، في ظل الفراغ القاتل يصبح شغلهم الشاغل هو تتبع عورات الناس، والاهتمام بكل ما هو تافه كالروتيني اليومي، والمسلسلات المثيرة للغرائز، والمجالس المنتخبة، ورجال السلطة والأمن والدرك الملكي ، وأخبار المستشفيات والمحاكم، ونتائج كرة القدم، و الرهان على سباق الخيل، ” التيرسي “، والتلذذ بمشاكل الناس وبهمومهم .
الأنكى والأمر ، فهذه الفئة بحكم تعميم الانترنيت وجعلها في المتناول، انتقلت من مجرد مستهلكة تستجيب لما يقدم لها من أخبار وغيرها دون تمحيص أو قدرة على غربلة ما هو سليم ومفيد، والتمييز بين المعلومة الصحيحة ، والإشاعة المضللة ، فتحولت الفئات المجتمعية من مستهلكة للمعلومة إلى منتجة لها و للإشاعة، نشيطة في تعميمها، جاهلة للعواقب القانونية المترتبة عن اتهام باطل، وظلم قاتل، ومس بالشرف. ومما زاد الطين بلة، هو تزايد عدد الصفحات والبروفايلات على الفيس بوك في الآونة الأخيرة، التي تتخذ اسماء وهمية وصفة كاذبة او اسما مستعارا لاستغلال مواقع التواصل الاجتماعي لتصفية الحسابات عن طريق السب والشتم والقذف وتلفيق التهم في حق أشخاص معيَّنين والمس بكرامتهم الى مستوى منحط مردها الى حقد دفين وحالة مرضية تثير الاشمئزاز وحتى التقيؤ.
غالبا ما يجهل البعض أن السب والشتم الذي يتم عبر وسائل التواصل الاجتماعي صفحات الفيسبوك، يعتبر “جريمة” يعاقب عليها القانون، ويتعامل معها كأنها ظهرت في فضائية أو صحيفة أو تلفزيون”
انه من العار ،ان يجد أي مسؤول اليوم نفسه محط إفتراء وتهم باطلة، تسلط عليه الأضواء من كل جانب، وتنسج حوله الحكايات لدرجة تخاله مجرما مصاصا للدماء، أو عميلا لجهات أجنبية ، وليس انسانا يؤدي واجبا وطنيا ، ومهمة نبيلة، ومسؤولية جسيمة ، واذا أخل بالواجب، فهناك القنوات القانونية التي تنصف المظلوم، وتثأر من الظالم. وأكثر الناس عرضة للإشاعة أهل الفن و الرياضيين ، ورجال السلطة بكل تلاوينها، وموظفو الإدارات التي يلجأ إليها المواطن من أجل قضاء مصلحته، مستشفيات، إدارة الضرائب ، عمالات ، مقاطعات ومجالس منتخبة….
R |
التعليقات مغلقة.