عيد العرش المجيد .. مناسبة متجددة تجسد عمق ما يربط العرش بالشعب من أواصر الولاء الدائم والبيعة الوثقى والتلاحم العميق

 

تشكل الذكرى الخامسة عشرة لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس عرش أسلافه الكرام، التي ستحل يوم الثلاثين من شهر يوليوز الجاري، مناسبة متجددة تجسد عمق ما يربط العرش بالشعب من أواصر الولاء الدائم، والبيعة الوثقى والتلاحم العميق، واحتفال بالمفاخر والأمجاد، وتطلع نحو تحقيق المزيد من الانتصارات لهذا الوطن، وفرصة لشحذ الهمم ولتجديد العزائم وتوطيدها والاندفاع إلى الأمام في تشييد صرح المغرب الحديث.

وتتيح هذه الذكرى كذلك المناسبة لتأكيد الوفاء الصادق الذي يتبادله العرش والشعب، وتجديد العهد المقدس الذي يلحم بينهما بأواصر البيعة الشرعية المتجذرة عبر أربعة عشر قرنا من تاريخ المغرب الحافل المجيد، والتعبير عن الالتزام المتبادل بين الملك والشعب لرفع التحديات وتخطي المعيقات كيفما كانت طبيعتها.

إن المرمى الحقيقي للاحتفال بهذه الذكرى، والمغزى الكامن في استحضار هذا الحدث، كل ما مر الحول عليه، هو التشخيص الدائم، وعلى مر الحقب والأزمان، لعرى التلاحم الوثيق بين العرش والشعب، والولاء الدائم والوفاء المستمر الذي يكنه الشعب المغربي لعاهله جلالة الملك محمد السادس، والتعبير الصريح عن القيم والأصالة، والارتباط بالحرية والديمقراطية، والاستعداد الدائم للذود عن حرية الوطن واستقلاله واستكمال وحدته الترابية، وصد مناورات المتربصين بهذا البلد المعقل من معاقل الإسلام، والثورة ضد كل أشكال القهر والتخلف.

وقد أكد ذلك جلالة الملك محمد السادس، في أول خطاب للعرش، بقوله “إننا نطمح إلى أن يسير المغرب في عهدنا قدما على طريق التطور والحداثة، وينغمر في خضم الألفية الثالثة، مسلحا بنظرة تتطلع لآفاق المستقبل في تعايش مع الغير، وتفاهم مع الآخر محافظا على خصوصيته وهويته، دون انكماش على الذات، وفي كنف أصالة متجددة وفي ظل معاصرة ملتزمة بقيمنا المقدسة”.

في هذه المناسبة تلبس كل مدن المغرب وأقاليمه حلة جديدة يعبر سكانها عن فرحتهم وتأييدهم وتعلقهم بملكهم، معترفين ومكبرين ما يبذله من جهد متواصل من أجل إسعادهم، وما يتخذه جلالته من قرارات سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية وتنموية لفائدتهم، مناسبة لاستحضار المنجزات الكبرى الرائدة التي عرفها المغرب في العهد المحمدي الزاخر بالأمجاد والمكرمات، والتحولات التي شهدها على امتداد الخمسة عشرة سنة الماضية والتي جعلت المملكة ورشا كبيرا مفتوحا.

إنها ذكرى يبتهج بها الشعب المغربي قاطبة في كل ربوع وأقاليم المملكة، ويفرح بها ويستبشر في كل مدينة وقرية، ويرى فيها ذلك الرمز الخالد، المتوارث كابرا عن كابر، والمتواصل ماجدا عن ماجد، المتمثل في الولاء والإخلاص والوفاء لجلالته وللعرش العلوي المجيد.

كما أنها مناسبة مواتية لتأكيد الخيارات الأساسية للبلاد التي كرسها الدستور الجديد للمملكة الذي أجمعت الأمة على اعتباره ميثاقا متميزا بما يفتحه أمام المغاربة من آفاق المشاركة الفعالة، ومناسبة سانحة لاستلهام روح الوفاء والعطاء المستمر، لمواصلة العمل والكفاح من أجل استكمال بناء مغرب الوحدة والتقدم والتنمية الشاملة.

وذلك ما أكده جلالة الملك، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الأولى لاعتلائه العرش، متوجها إلى رعاياه الأوفياء، بقوله “إن احتفاءك الخاص بعيد العرش يعود لخاصيته المتمثلة في تجسيده لتلاحم مقدسات المغرب الثلاث .. الإسلام والملكية والوطن، حيث أرسى العرش، بفضل الإسلام والملكية، مكونات الوطن التعددية، الحضارية والثقافية والجغرافية، وجعلها مصدرا مستمرا لوحدته. كما شكل هذا الالتحام بينك وبين العرش حصنا حصينا أكسب المغرب قوة ومناعة بهما تمكن من الصمود أمام أخطر الصعاب والأزمات، وتخطى أعتى العراقيل والعثرات، ورفع مختلف العوائق والتحديات، واجتاز الامتحانات الحاسمة ومنعرجات التاريخ الصعبة وهو أكثر ما يكون ثباتا وشجاعة وأقوى تضامنا وأوفى عهدا”.

وفي نفس السياق، قال جلالة الملك، في خطابه السامي بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة لاعتلاء جلالته عرش أسلافه الميامين، مخاطبا شعبه الوفي، “إن احتفالك بذكرى عيد العرش المجيد، سيرا على تقاليدك العريقة، لا ينحصر مغزاه فقط في تجسيد ولائك الدائم لخديمك الأول، المؤتمن على قيادتك، وصيانة وحدتك. إنه يؤكد أيضا، وبصورة متجددة، رسوخ البيعة المتبادلة بيني وبينك، للمضي بالمغرب في طريق التقدم والازدهار، والتنمية والاستقرار. كما يجسد وفاءك لثوابت الأمة ومقدساتها”.

لذلك فإن لعيد العرش المجيد دلالات عميقة، ومرامي بعيدة، ومقاصد شريفة، وأهدافا نبيلة يوحي بها، ويرمز إليها، ويجددها كل سنة في قلوب أبناء الشعب المغربي، عيد يتجدد مع الثلاثين من شهر يوليوز من كل سنة يحمل بحلوله معاني سامية جليلة، من بشائر الخير واليمن والبركة.

ويتيح الاحتفال بهذه المناسبة المجيدة استحضار ما حققه المغرب من إنجازات ومكاسب هامة شملت على الخصوص إصلاح الحقل السياسي من خلال تطوير الآليات الديمقراطية، والإصلاحات الهامة التي عرفها الحقل الديني، والعمل على توفير موارد العيش للمواطنين والمواطنات بما يسهم في حل المشاكل المادية علاوة على الجهود الحثيثة المبذولة لتحقيق التنمية البشرية، من خلال إطلاق مبادرات ومشاريع مدرة للدخل في سعي إلى تحقيق ما أمكن من التوازنات الاجتماعية والنمو الاقتصادي.

ويرمز عيد العرش إلى ذلك النهوض الاجتماعي المتواصل، والتقدم الاجتماعي المستمر، الذي تشهده البلاد طيلة السنة وفي كل مناسبة وطنية، بما يكون فيها من مشاريع ثقافية واجتماعية، ويتحقق فيها من منشآت عمرانية كبيرة، ومنجزات عظيمة، تزيد من الأمن والطمأنينة، ومن الرخاء والازدهار لهذه الأمة في مختلف المجالات المادية والمعنوية، وتكفله من عزة وكرامة ورفاهية للفرد والجماعة.

ومنذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش، في الثلاثين من شهر يوليوز 1999، وهو يعمل، حفظه الله، على إطلاق العديد من الأوراش الاقتصادية والاجتماعية، موازاة مع الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، في تجاوب مع تطلعات رعاياه، جاعلا جلالته كرامة المواطن المغربي وازدهاره في صلب اهتماماته السامية، مواصلا جلالته أداء الرسالة المثلى في تنمية البلاد والسعي إلى تحقيق رقيها ونهضتها.

وما فتئ جلالة الملك محمد السادس يولي عنايته الخاصة لإرساء دعائم دولة الحق والقانون، ولتنمية بلاده تنمية بشرية مستدامة، تربويا وصحيا واجتماعيا وثقافيا، ولتعزيز البنيات التحتية للوطن بتشييد المنشآت التجهيزية الكبرى، من موانئ ضخمة وطرق سيارة وسدود نافعة وتجهيزات فلاحية عظمى، لتحقيق “المغرب الأخضر” المثمر الزاهر، حيث يضع جلالته الأسس الكفيلة لوضع المغرب الجديد على سكة الحداثة والنماء، ويحضر جلالته في جميع الجبهات والجهات للوقوف والسهر على كل المشاريع ومتابعة تطوراتها وتوسيعها وتنقيحها إذا اقتضى الأمر ذلك.

وعلاوة على الاهتمام البالغ الذي يوليه جلالة الملك محمد السادس للملفات الاجتماعية والحقل الديني وترسيخ الصرح الديمقراطي وبناء المغرب الحداثي وغيرها، بشكل لا يعرف الكلل ولا الملل، فإن جلالته لم يأل جهدا في الاهتمام بقضايا السياسة الخارجية وعلى رأسها قضية فلسطين، وبناء المغرب العربي والشراكة مع أوروبا، وتنمية القارة الإفريقية وتحقيق استقرارها على جميع الأصعدة والمستويات ما يزرع الأمل في نفوس الأشقاء الأفارقة.

ويتجسد الاحتفال بعيد العرش المجيد في تاريخ المغرب الحديث كذلك في تجديد البيعة المعهودة بين العرش والشعب، وفي الترابط بين القمة والقاعدة لبناء المغرب وإعلاء شأنه بين الأمم في كل المجالات، إنه عيد الأمل والاستمرارية والبيعة والنهضة الشاملة والإخلاص للشعار الخالد “الله .. الوطن .. الملك”، في نهضة متواصلة يقودها جلالة الملك محمد السادس في مجالات التنمية البشرية، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، والمواطنة الكريمة، بروح الوطنية الصادقة، والتلاحم الوثيق بين العرش والشعب، التي جبل عليها المغاربة عبر التاريخ.

وعيد العرش ليس عيدا وطنيا فقط بالمعنى الحديث، بل هو عيد لتجديد البيعة والعهد الشامل بأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، من حيث أن لهذه البيعة في المغرب بعدا روحيا كبيرا، فهي ميثاق دستوري يقوم على التشاور والتكافل والتماسك والإخلاص المتبادل بين ملك البلاد وأفراد الأمة.

ويدل هذا العيد المجيد العطر دلالة واضحة على الآصرة الدينية والرابطة الروحية، والوشيجة القوية التي تجمع بين العرش وشعبه الوفي في نطاق البيعة الشرعية، المتأصلة باستمرار، والمتجددة في كل مناسبة دينية ووطنية، والتي تتمثل فيها الطاعة الواجبة لأولي الأمر في الإسلام، كما أمر بها الله سبحانه وتعالى في قوله جل علاه “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وقوله سبحانه “وأوفوا بالعهد، إن العهد كان مسؤولا”.

وها هو المغرب اليوم، وارفا في ظلال العرش العلوي المجيد، الضامن لسيادة الأمة ووحدتها، وبقيادة ملكه سادس المحمدين، يخطو، بثبات، إلى الأمام، متسلقا مدارج الرقي والتقدم والازدهار، مواصلا نهضته الإصلاحية، عاقد العزم على مواصلة مسيرة الكفاح والنضال من أجل تحقيق وحدته الترابية، وخوض معركة التنمية بكل إصرار وتفاؤل من أجل غد أفضل.

ويتابع جلالة الملك محمد السادس مسيرة البناء والتشييد للمغرب الحديث بعزم وثبات، بما يبذله من جهود هادفة إلى تحقيق أماني شعبه التواق إلى نهضة واسعة، وتنمية شاملة وحياة رغيدة، وتطلعاته في تحقيق الكرامة الإنسانية والسعادة الفاضلة، ويكرس جهوده، حفظه الله، لمعالجة القضايا الوطنية والقومية الكبرى بعقلية علمية وفكر متنور، ويجدد أسس ودعائم دولة الحق والقانون.

وما فتئ جلالة الملك، في كل مناسبة، ومنذ توليه العرش، يدعو ويحث رعاياه على مضاعفة الجهود في تجديد الرؤى والمناهج، وتمديد الآفاق بما يؤهل المغاربة، المتمسكين بالمقدسات، والمتعلقين بالثوابت، والملتزمين بالعهود، من أن يكونوا أقوى استعدادا للانخراط الفعال في مسيرة العصر والمساهمة الإيجابية فيها، وكما قال جلالته “تحفزا من المكانة اللائقة بمجدك التالد، وحاضرك الطموح، ومستقبلك المشرق الواعد، ضمن أصالة راسخة متجددة وحداثة أصيلة”.

وإنه لمن حسن المناسبة ويمن الطالع أن يتزامن حلول الذكرى الخامسة عشر لتربع صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه الميامين، مع احتفاء الشعب المغربي وابتهاجه بحلول عيد الفطر السعيد، واكتمال شهر الصيام والقيام، هذا الشهر المبارك الكريم الذي يترأس فيه أمير المؤمنين الدروس الحسنية في رحاب قصره الملكي العامر، فيعيش المغرب بأكمله تلك الأجواء الروحانية، المتعطرة بأريج الرحمة والبركة، والنفحات القدسية بما يتلى ويتدارس فيها من كتاب الله وسنة رسوله المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبما يتحقق فيها من إشراق هدايتهما وأنوارهما على المغاربة قاطبة، والمسلمين كافة.

 إدريس اكديرة

التعليقات مغلقة.