بوتين المنتظر

الانتفاضة

نظام بوتين نظام أوليغاتشي يعتمد على مجموعة من الأوليغارشيين الذين يستفيدون من قطاعات ريعية، خصوصا النفط والغاز، حققوا من ورائها ثروات طائلة.
ومنذ وصول بوتين للحكم زاد عدد المليارديرات الروس حول العالم بشكل كبير وتعددت مشاريعهم واستثماراتهم في شتى القطاعات.
عندما ركز الغرب الأوربي والأمريكي على ضرب بوتين ماليا عبر تجميد أصول الأوليغارشيين خارج روسيا وتجميد نظام سويفت البنكي لإرسال الأموال فقد كانوا يعرفون أنهم يحزون أقدام العرش الذي يجلس عليه بوتين. فإذا ما شعر القادة والأوليغارشيين أن مصالحهم ستضيع فإنهم لن يترددوا في التخلي عن بوتين. وإلى حدود مساء الأحد فقد أغنياء روسيا 39 مليار دولار من ثروتهم وسجل مؤشر مويكس في البورصة الروسية خامس أسوأ انخفاض له في تاريخه. كما أن إغلاق الأجواء الأوربية في وجه روسيا سيجعل هؤلاء المليارديرات يشعرون أنهم يعيشون في سجن كبير. وهو ما لن يطيقه هؤلاء بالنظر للحياة المرفهة التي تعودوا على العيش في كنفها.
وبالإضافة للخلفية الجيوستراتيجية للصراع فهناك مسحة دينية في الحرب الروسية الأوكرانية تكاد تفصح عن نفسها. فعندما يقول بوتين في إطار تبريره للغزو أن الغرب يريد تحطيم قيم الهوية الروسية فهو يلمح إلى الأصول الهواتية والدينية الأرثوذكسية لروسيا بمواجهة العقيدة الكاثوليكية الغربية التي يعتبرها بوتين فاسدة، انتهت إلى صعود قوى سياسية وفرت الظروف لتخنيث المجتماعات الأوربية وإنتاج أجيال رخوة بلا عقيدة دينية قوية. ويظهر ذلك في العداء الشديد لبوتين لكل ما يتعلق بحركات الحريات الفردية والمرتبطة بالنوع والمثلية الجنسية وتعامله العنيف مع محاولات ظهورها في المجتمع الروسي.
ولعل دخول عشرة آلاف مقاتل شيشاني على خط الغزو الروسي لأوكرانيا للقيام بالمهام القذرة سيدخل لاعبا دينيا جديدا إلى ساحة المعركة هو الإسلام. إذ سيجد جنود مسلمون شيشان أنفسهم بمواجهة جنود مسيحيين ورئيس أوكراني من أصول يهودية. هذا طبعا لا يعني أن بوتين يعول على مسلمي الشيشان لأنه يكن تعاطفا مع دينهم، فبوتين أشد كرها للإسلام من كل الغربيين مجتمعين.
خلال صلاة الأحد، وبعد مرور أربعة أيام من القتال، قال زعيم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الأب كاريل، الذي يفتخر ببناء ثلاث كنائس في اليوم على طول التراب الروسي، أن من يعارضون غزو موسكو لأوكرانيا هم قوى الشر التي تريد تحطيم التلاحم التاريخي بين الشعبين.
هذا دليل على أن من يحكم فعلا في روسيا هي الكنيسة الأرثوذكسية وبوتين واقع تحت هذا التأثير ومؤمن به، وطيلة قرون وفرت دائما الكنيسة الأرثوذكسية الروسية الغطاء الأيديولوجي لحروب القياصرة، وبنظرها فالأوكرانيون سلالة سلافية صغيرة حصلت أكثر بكثير مما تستحق على الاراضي الخصبة والموارد الطبيعية التي تفوق حجمها. والروس يعتبرون أوكرانيا مركز نشأة الهوية والأمة الروسية الأولى التي كانت في كييف واسم روسيا جاء من اسم دولة “روس كييف” التي تمثل أول دولة سلافية شمالية يعتبرها الروس السلف الأول لدولتهم.
وعندما يتحدث زعيم هذه الكنيسة كيغيل ليز عن “قوى الشر” التي تريد تقسيم الشعبين الشقيقين فهو يقصد أولئك الذين أخرجوا أوكرانيا من دائرة نفوذ الكنيسة الأرثوذكسية وجعلوها أقرب إلى المسيحية الكاثوليكية.
في مقال له بعنوان “في الوحدة التاريخية بين روسيا وأوكرانيا” نشر بموقع الكريملن الرسمي كتب بوتين قبل سنة قائلا “باسم كلمات النبي Oleg لنجعل كييف أم المدن الروسية”.
يعتقد بوتين أنه النبي الذي سيعيد لروسيا أمجادها والذي سيجعل من كييف عاصمة الارثوذكسية، ولذلك فقد اشتغل جيدا طوال سنوات على صورته كبطل قومي ارتقى سلم المجد من الأسفل نحو الأعلى. وهاهو اليوم يهدد العالم بسلاحه النووي واضعا مصير البشرية كلها فوق كف عفريت.
فهل سيكون مصير بوتين كمصير إيكاروس الذي تحكي الميتولوجيا أنه اقترب من الشمس أكثر من اللازم فاحترق جناحاه المصنوعين من الشمع وسقط وهلك ؟.

رشيد نيني

التعليقات مغلقة.