الانتفاضة
محمد السعيد مازغمدينة الصويرة الجميلة الهادئة تخرج عن صمتها، وتكسر الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية بانهيار بعض أسقف المنازل الآيلة للسقوط فوق رؤوس ساكنتها، وتدفع بهم إلى الشارع، فبقدر ما تسائل كل ضمير حي على مستوى جهة مراكش اسفي عن المسؤولية والمحاسبة، بقدر ما تسائل مدينة الصويرة بكل مكوناتها ومؤهلاتها المادية والبشرية عن مآل تأهيل المدينة العثيقة، و حال الفئات المهمشة في ليلة عيد الفطر، هذه الفئات التي يردد لسان حالها:عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ … بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُنعم لقد اجتمع المتضادان، ففي ما مضى، لم تكلّ القوى الحية في دق ناقوس الخطر، والمطالبة بتفعيل السياسة الوطنية بشأن التجديد الحضري ومعالجة المباني الآيلة للسقوط، وفق الاختصاصات والصلاحيات التي خولها لها القانون رقم 126 94 المتعلق بالمباني الآيلة للسقوط، وتنظيم عمليات التجديد الحضري ومرسومه التطبيقي. أما الجديد، فهو وقوع الحادثة في عز جائحة كورونا التي تلزم الساكنة بالالتزام ببيوتها، وعدم خرق حالة الطوارئ،قدر ساكنة الدور الآيلة للسقوط، أن تنتظر انهيار البنيان فوق رؤوسها لكي تتحرك قوافل المسؤولين، وتعبر عن حزنها للمصاب، واستعدادها لتقديم الدعم والمساعدة من خلال سكن مؤقت، ووعد بالإصلاح، يعلم الله وحده كم تستغرق عملية الترميم من الوقت ليعود المرحلون إلى مسكنهم الأصلي، هذا إن كانوا يتوفرون على الملكية العقارية للمسكن، أما إذا كانوا يستغلونه على وجه الكراء أو الرهن، فتلك رحلة أخرى وقصة من القصص التي لا يتذوق مرارتها سوى من مرَّ من نفس التجربة، ودخل في متاهات الشدّ والجذب.في أحد الأشرطة السمعية البصرية، التي نشرتها صفحة صباح الصويرة في أواخر 2016 .برزت سيدة عجوز تجاوز عمرها المائة سنة، وهي تروي سيرتها الذاتية، ومعاناتها مع الفقر والحاجة، استقرت بغرفة داخل منزل بزنقة زعير بالبواخر، قبل وفاة محمد الخامس رحمه الله بسنة، فقدت بصرها، وأصبحت تعتمد على المحسنين في معيشتها، وكانت الغرفة التي تشغرها عبارة عن بناية متهالكة آيلة للسقوط،بعد الفيديو الذي تفاعل معه بعض المحسنين، تقدمت مندوبية السكنى والتعمير وسياسة المدينة بالصويرة بمقترح تسليمها مبلغ 40 ألف درهم، مقابل التخليعن السكن في إطار التعويض، وفي غياب قرارات ملزمة، ولجنة خاصة بالمصاحبة والتوجيه، والأخد بيد المعوزين حتى يتمكنوا من سكن بديل، يحفظ كرامتهم، ويقيهم من خطر الموت المحقق، رفضت المرأة العرض، وتركت لتواجه مصيرها ، وتظل قابعة داخل جدران تلك الغرفة رغم الخطر المحدق.من الألطاف الإلهية، أن الجدار الذي تهاوى يعود لمسكن بالجوار، تقطنه سبع أو ثمان أسر، كل واحدة تشغل غرفة أو غرفتين، ولم تقع أية خسارات في الأرواح،وحسب مصادر قريبة، فإن أصحاب هذه الدار التي تقع بزنقة زعير ، سبق أن توصل ساكنتها بقرار من المجلس الجماعي يطالبهم بافراغ السكن الذي هو عبارة عن منزل قديم ومتهالك، آيل للسقوط إلى حين إصلاحه، ومع ذلك لم تنفد التعليمات، واستمرت تعيش تحت أسقف متهالكة، وجدران متصدعة، مفضلة الموت تحت الأنقاض على حياة التشرد.يقول محمد هيلان إعلامي ومتتبع للشأن المحلي الصويري، : ” المشكل الحاصل، هناك الاتفاقية الجديدة التي أشرف على توقيعها جلالة الملك محمد السادس، مع رئيس الجهة ورئيس المجلس الجماعي وعامل الصويرة ورئيس المجلس الاقليمي ومؤسسة العمران، وعدد من الشركاء من اجل تاهيل المدينة العثيقة ، وبالفعل انطلق تفعيل الاتفاقية بوثيرة استحسنتها الساكنة، وانطلقت عملية الترميم، ولكن جائحة فيروس كورونا المستجد، حالت دون اتمام الاشغال، وفرضت توقف مجموعة من الاصلاحات .وأضاف المشكل الآخر، أنه وفي اطار الاتفاقية المذكورة، نلاحظ أن مندوبية السكنى والتعمير وسياسة المدينة واجهتها اشكالية حقيقية وتتجلى في رفض بعض الساكنة مغادرة مساكنهم لاعتبارات مختلفة، فبعضهم يرى أن مبلغ التعويض هزيل، ولا يمكنهم من شراء مسكن بديل، وبعضهم يسكن على وجه الاستئجار، ويخاف أن يطرد من طرف أصحاب المنزل بعد نهاية الأشغال، ومنهم من يتوجس من طول الانتظار لأن عملية الترميم والإصلاح تتطلب زمنا غير محدد فيه انطلاق الاشغال والانتهاء منها.ونبه محمد هيلان، إلى أن كثيرا من الإعلاميين بمدينة الصويرة، لم يأخذوا بعين الاعتبار خلال تغطيتهم الصحفية للحدث، أن هناك مسكنين يحملان نفس الرقم: ـ 5 و 5 مكرر، ـ الأول يدخل في إطار المباني المزمع إصلاحها، لكن ساكنتها رفضوا الرحيل، اما السكن تحت رقم 5 مكرر، فقد استفاد من عملية الإصلاح.أن إشكالية البنايات الآيلة للسقوط في مدينة الصويرة، تشكل تحديا أمام السلطات العمومية، نظرا للحالة المتردية لمجموعة من الدروب داخل المدينة العثيقة التي تآكلت دعامات منازلها، وتسربت المياه العادمة ومياه الشرب والأمطار داخل جدرانها، كما تأثرت بالعوامل المناخية وضعفت مواد البناء المستعمَلة بها سابقا، إضافة إلى التغييرات العشوائية التي تقوم بها الساكنة، دون مراعاة ضوابط البناء وانعدام تصاميم الخرسانة المسلحة والصيانة. ومن خلال زيارة بعض هذه الدور بالملاح، ودرب على أكادير…، تتضح وضعيتها المزرية؛ فهي عبارة عن أزقة ضيقة مضلمة، تعاني بشكل دائم من وجود مشاكل في الصرف الصحي ثم تدهور في واجهات المنازل .ومما يزيد الإشكالية تعقيدا ارتفاع عدد الأسر في المنزل الواحد، إلى جانب الفقر والهشاشة، مما يجبر على تخصيص موارد مالية إضافية لتلبية جاجيات المواطنين من السكن اللائق، والتعجيل بالإصلاحات قبل ان تتحول تلك المساكن إلى مشروع مقابر جاهزة للدفن. |
التعليقات مغلقة.