الدار البيضاء تناقش  واقع الدبلوماسية المغربية  بين ممارسات الأمس وتحولات اليوم

الانتفاضة

بقلم سمير السباعي

في إطار أنشطته الإشعاعية و الفكرية نظم مختبر المغرب والعالم الخارجي بكلية الاداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك بالدار البيضاء، الأسبوع الذي نودعه ندوة وطنية  بشراكة له مع مجلس الجالية المغربية  بالخارج  في موضوع “قضايا في التاريخ الدبلوماسي المغربي- الدبلوماسية المغربية زمن الازمات-“، وذلك يومه الاربعاء 10 ماي 2023 ابتداء من الساعة التاسعة والنصف صباحا بقاعة عبد الواحد خيري بنفس الكلية. حيث كان هذا اللقاء العلمي فرصة حقيقية تم فيها مقاربة الفعل الدبلوماسي للدولة المغربية عبر محطاته التاريخية الرئيسية من  خلال  زوايا  نقاش متعددة. أشاد مجموعة من المتدخلين في بداية هذا اللقاء بأهمية انعقاد هذا الاخير الآن، في ظل الدينامية التي تعرفها الدبلوماسية المغربية  حاليا بشكل عام. سواء من خلال مداخلة السيد عميد الكلية محتضنة اللقاء في شخص نائبه الدكتور إبراهيم فدادي، أو من خلال كلمة السيد عبد الله بوصوفة الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، الذي ركز في مداخلته على البعد الفكري المهم، لهذه الندوة الوطنية و أهميتها في تسليط الضوء على  العمل الدبلوماسي المغربي الذي ارتبط في محطات كثيرة منه بقدرته على التفاعل مع التشنجات التي ما فتئت تطبع من حين لآخر  علاقة المغرب بشركائه الدوليين، مثل الفتور الصامت الذي تشهده حاليا العلاقات المغربية الفرنسية. مشددا على أن ما سماه “بالدبلوماسية الموازية ” أصبح له الآن  حضور أقوى في ساحة الفعل الدبلوماسي المغربي. وقد أكد  بوصوفة على أن الممارسة الدبلوماسية المغربية دائما ما كانت تتفاعل بشكل واضح مع اللحظات التاريخية، التي يمكن أن تمنح المغرب مركزا متقدما على الصعيد الدولي،  مشيرا في هذا السياق إلى الاعتراف التاريخي المغربي باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن التاج البريطاني، في خطوة أنتجتها ظرفية تاريخية معينة لكن، كانت لها دلالتها القوية بظهور المغرب آنذاك كفاعل أساسي عالمي. أما بخصوص ما يساهم به مجلس الجالية المغربية بالخارج حاليا،  فقد اعتبر  عبد الله بوصوفة أن هذا الأخير  يسعى عبر مغاربة العالم إلى الانخراط بقوة في فعل دبلوماسي بأكثر من خمسين بلدا، و ذلك خدمة للتوجهات الكبرى للدولة المغربية خصوصا ما يتم الآن من محاولات   لتقريب وجهات النظر مع مؤسسات و أفراد فاعلين بفرنسا لكسر الأزمة الحالية التي تمر بها العلاقات بين الجانبين المغربي والفرنسي، على المستوى الرسمي و الذي يشكل فيها مطلب المغرب بموقف فرنسي رسمي واضح، من قضيتنا الوطنية الأولى محددها الرئيسي. وقد نوه عبد الله بوصوفة في آخر مداخلته بالدبلوماسية الدينية التي نجح المغرب في تفعيلها خلال السنوات الأخيرة في إشارة منه إلى توظيف الدولة المغربية للمشترك التاريخي و الإرث الروحي الذي يجمع المغاربة، مع عدد من الدول الإفريقية جنوب الصحراء و ذلك لخلق ديناميكية جديدة في العلاقات المغربية الافريقية تكون في صالح التوجهات  المغربية و باقي الشركاء الأفارقة. وقد حرص الدكتور خالد السرتي مدير مختبر المغرب والعالم الخارجي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن مسيك بالدار البيضاء بدوره  أن يعبر في كلمته هو الآخر، على أهمية تنظيم هذه الندوة الوطنية التي تحتفي بالدرس الدبلوماسي و كتعبير عن حاجة فكرية قوية لجعل الدبلوماسية المغربية موضوعا للنقاش الأكاديمي والبحث العلمي، خاصة أن العمل الدبلوماسي الآن يطرح إشكال تداخل عدد من المستويات و مساهمتها في صناعة اللحظة  الدبلوماسية. وذلك ضمن رؤية تكاملية تؤمن بضرورة تكامل مختلف العلوم والتخصصات في مناقشة  هذا الموضوع الدبلوماسي. أما استاذ التاريخ و عضو اللجنة المنظمة بنفس الكلية جلال زين العابدين فقد اعتبر أن اختيار شعار “الدبلوماسية المغربية زمن الأزمات” كتيمية رئيسية للندوة، هو ترجمة فعلية على التأثر التاريخي الذي ما فتئ يطبع العمل الدبلوماسي المغربي في علاقة بمحيطنا الدولي. حقيقة لا يمكن لأي متتبع إعلامي أو فاعل ثقافي إلا أن يسجل حجم وقوة النقاش الفكري الذي عرفته هذه الندوة الوطنية، التي حاولت أن تضع الفعل الدبلوماسي المغربي تحت مجهر السؤال العلمي، من خلال مقاربات متعددة التقى فيها الدرس التاريخي بالتفسير القانوني   مع مقاربة الفاعل الإعلامي. ضمن هذا السياق حرص عدد من المتدخلين على إبراز تاريخية العمل الدبلوماسي كتوجه جوهري رافق السياسة الخارجية للدولة المغربية  خاصة على مستوى  تدبيرها للحظات الصدام والأزمات البنيوية أو العابرة التي دائما ما طبعت، علاقات بلادنا خصوصا الشركاء التقليديين إسبانيا وفرنسا، بشكل جعل الدبلوماسية مستوى لتأكيد ضرورة الحفاظ على منطق المصالح المشتركة مع هذا الطرف أو ذاك رغم العراقيل الكبرى التي كانت تظهر، كأنها معيق لهذا التوجه مثل قضيتي سبتة و مليلية المحتلتين أو مشكل تدبير المصالح التجارية بالفضاء البحري للمغرب، مرورا بالرغبة في تأجيل حتمية اللحظة الاستعمارية التي سيعيشها المغرب في النصف الاول من القرن العشرين، ووصولا إلى عمل دبلوماسي مكثف غداة الاستقلال لتأكيد موقع المغرب على الساحة الدولية.  لا ننسى بأن هذا الحدث الفكري الوطني كان فرصة للتأكيد على المحددات الجديدة التي أصبحت تحكم الفعل الدبلوماسي للمغرب أساسها، عدم القفز على قضية صحرائنا الوطنية وجعلها معيار تقييم أي شراكة ممكنة مع أي دولة كانت، ضمن منطق خاص تحاول الدولة المغربية فيه أن تستثمر رصيدها التاريخي كدولة ذات عراقة حضارية ومجالية، لفتح قنوات اتصال دبلوماسي جديدة محركها الجوهري هو احترام السيادة المغربية والاعتراف بشرعيتها كشرط لإنماء أي علاقة منتجة مع المغرب اليوم.

التعليقات مغلقة.