الإسلام السياسي والإرهاب وجوه متعددة والهدف واحد

لا يزال التعامل الغربي مع ظاهرة جماعات الإسلام السياسي يراوح مكانه بين اعتبارها وجها واحدا من حيث المنطلقات الفكرية والهدف المرجو تحقيقه من العمليات الإرهابية، وبين النظر إلى بعض الجماعات على أنها ليست عنفية في الممارسة ولكنها متطرفة في التفكير. إلا أن الغرب ينسى أن ما يحدث اليوم من عمليات تجنيد يقوم بها داعش لخيرة شبابه الذين ولدوا وتربوا فيه تجعله الحزام الناقل لهذا التطرف الذي تجاوز الحدود.

منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، والجدل الغربي القائم حول الإسلام السياسي، مركّزٌ على الجماعات الجهادية المسلحة مثل القاعدة وطبيعة نهجها في تحويل الشباب الغربي المسلم إلى متطرفين من أجل كسبهم قصد الانضمام إلى تلك الجماعات. لكنْ هناك نمطٌ باتَ واضحا خلال السنوات القليلة الماضية بعد الانتهاء من التحقيق في معظم الهجمات الإرهابية التي ضربت الغرب، وهو أنّ معظم منفذي العمليات الإرهابية كانوا نشطاء في جماعات إسلامية غير مسلحة قبل التورط في الإرهاب.

فلو أخذنا العمليات الإرهابية التي وقعت عام 2003 في ملهى “مايكس بلايس بتل أبيب، وهجمات لندن في يوليو 2005، وعملية اغتيال الجندي البريطاني لي ريغبي في مايو 2013، نرى أنّ جميع المنفذين كانوا على صلة بتنظيم “المهاجرون” والجماعات العديدة المنبثقة عنهُ. وتلاحظ السلطات الأوروبية، أن الأعداد المتزايدة من الأفراد الراحلين للجهاد في سوريا والعراق، سبق أن ارتبطت مع جماعات إسلامية لها نشاطات مثيرة للجدل، ولكنها لم تكن عنيفة بشكل مباشر.

جماعات من قبيل “حزب التحرير” و”المهاجرون” و”فرسان العزّة” أو الفروع الدولية المتعددة لجماعة “شريعة من أجل”، تجسّد عدم تجانس وتماثل الإسلام السياسي في الغرب، حيث أنّ جميع هذه الكيانات تلتزم بالأفكار الأساسية ذاتها، إلا أنّها تختلف في مسائل عدّة، منها العقائدية ومنها السياسية، وهناك اختلافات أخرى تخص النهج والإستراتيجية. طريقة أخرى مبسّطة لتصنيف جماعات الإسلام السياسي في الغرب هي وفقا لمنهجية عملها: المعارضون المسلّحون (العنيفون)، المعارضون غير المسلحين (غير العنيفين)، والمشاركون. يُمكن تصوّر هذه الفئات الثلاث على شكل هرم، حيث توجد الجماعات التي تتبنى العنف في قمة الهرم ويُعرفون باسم “الجهاديون”، وهذه الجماعات أو الأفراد غالبا ما ترتبط بـ”القاعدة” أو تستوحي نشاطاتها منها وترفض المشاركة في الأنظمة الديمقراطية، وتلجأ إلى استعمال العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها. أمّا أسفل الهرم، فتوجد الجماعات المشاركة والأفراد الذين يدعون إلى الالتزام بالإسلام السياسي الذي يؤيد الانخراط في المجتمع على المستويات الجزئية من خلال النشاط المحلي، والمستويات العليا من خلال الحياة العامة والعملية الديمقراطية، ويمكن وضع “الإخوان المسلمين” ضمن هذه الفئة، على الرغم من التنوّع بين فروعه في العالم.

أثارتْ نظرية “الحزام الناقل” للتطرّف جدلا بين الباحثين وصنّاع القرار في الغرب، وهذه النظرية خلاصتها أنّ بعض هذه التنظيمات لا يدعم الإرهاب والعنف علنا ولكنه يروّج لمواقف قريبة من الإرهاب، ويقدّم أحيانا الأسس الفكرية للجماعات الجهادية المسلّحة، لذا يعتقد أنّ هذه الجماعات تمثّل “البوابة” التي توجّه الأفراد نحو دور فكري تكون محصلته، في الغالب الجهاد المسلّح.

لهذه النظرية العديد من المؤيدين وعددا متساويا من المناوئين، وهي في مقدمة السجالات القائمة حول الإرهاب منذ وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001، وتقع ضمن الجدل “الأزلي” الذي يتداول العلاقة بين الأفكار المتطرّفة والنشاطات الإرهابية. ويستخدم الباحثون أسماء مختلفة للإشارة إلى الظاهرتين وللفصل بين التطرّف الفكري والتطرّف العنيف، حيث أنّ الشكل الأول يمثّل المراحل التي يقوم الفرد من خلالها بتبني الأفكار والقيم التي تتناقض مع ما هو مقبول اجتماعيا، وترفض أي شكل من أشكال النظام الاجتماعي، وتسعى هذه الأفكار إلى إبدال النظام القائم بنظام إيماني مختلف تماما. أمّا التطرّف العنيف فيحصل عند الفرد بالخطوة الإضافية اللاحقة، المتمثلة في تطبيق العنف، والذي ينتج غالبا من تفعيل التطرّف الفكري.

تحقيق التوازن في هذا الجدل الاستقطابي ليس بالأمر السهل، ولكن من العدل القول بأنّ الأيديولوجية هي واحدة من بين عوامل عدة، مثل الظروف الشخصية، تدفع بالفرد إلى التطرّف المؤدي إلى العنف. ولكنْ الخبراء يدركون أنّ الفكر المتطرّف لا يؤدي دائما إلى الإرهاب، وهذا ما يقولهُ بيتر نيومان “إنّ الإرهابي لا يشترط دائما أن يكون المتطرّف الفكري، كما أنّ المتطرفين ذهنيا لا يقومون بتلك القفزة نحو الإرهاب دائما، بل على العكس تماما، فإنّ معظمهم لن يلجأ إلى العنف أبدا”.

لا يمكن تجاهل دور الأيديولوجيا في مراحل التطرّف، ففي عام 2008 أعلنت الهيئة المختصة في شؤون التطرّف الإرهابي والتابعة للمفوضية الأوروبية، أنّ عملية التطرّف تحصل “عند تلاقي البيئة الداعمة مع المسار الشخصي”. ثم إنّ التاريخ الشخصي للفرد ضروري في فهم سبب تفاعله مع المحفّزات الخارجية الدافعة باتجاه التطرّف، وأنّ فهم نفسية الفرد أمر معقّد لكنهُ في غاية الأهمية، وفي الوقت نفسه تشدد الهيئة على أنّ استيعاب هذه الأيديولوجية عامل آخر مهم في نظرية التطرّف.

التعليقات مغلقة.