تستفيق أمهات تنتظرهن كيلومترات من المسالك الوعرة والخيط الأبيض لم يبرز بعد من الخيط الأسود ، تقمن بإعداد كل شيء متعلق بيوم كامل بقرية من قرى المغرب العميق ، ترتدين ثيابهن وتجتمعن على قارعة المسلك لتبدأ الرحلة إلى سميمو ، قد يهاتفن سيارة للنقل السري تمتص جزءا مما سيجود به التيسير العجيب ، وقد يقطعن المسافة كلها سيرا على الأقدام قبل الوصول إلى اقرب طريق معبدة ، يصلن وقد اكتست أجسادهن وثيابهن ترابا ، أمام مكتب البريد في عاصمة القيادة يتفاجأن بكونهن لسن الوحيدات : مئات من الآباء والأمهات ينتظرون دورهم أمام مكتب البريد بسميمو بموظفه الوحيد ، تقفن ، تقعدن ن تنصرفن لشرب كاس شاي ، تعدن ، لم تتحرك الطوابير بعد والشمس تنحذر لتختفي هناك غرب سميمو ، تجتمعن وتعدن إلى دواويرهن على أن تستمر رحلة انتظار التيسير في اليوم الموالي . يتساءل هؤلاء النسوة إلى اليوم وعموم نسوة دواوير عدد من جماعات إقليم الصويرة النائية ومنها الجماعات العشر بقيادة سميمو ، يتساءلن إلى اليوم عن السر الذي جعل السلطات ، رغم علمها المسبق بحقيقة الأوضاع ، ويفتشن عن العبقري العظيم الذي استبعد أزواجهن المؤهلون لذلك واشترط تسجيل أمهات التلاميذ عوض الآباء لاستخلاص مساعدات برنامج تيسير المشروطة ، عن الهدف المنشود وراء إرغام نساء مسؤولات عن أسر ومنازل وحقول لا حول لهن ولا قوة على ترك كل المشاغل والتنقل عشرات الكيلومترات والانتظار في بعض الأحيان ثلاثة أيام لاستلام بضع مئات دراهم مخصصة حسب الوزارة لتحفيزهن على استمرار تمدرس أبناءهن وبناتهن ، فهل تنجح بضع مئات من الدراهم في جعل تلاميذ وتلميذات في عمر الزهور يقطعون الكيلومترات شتاء وصيفا حتى تقول وزارة التربية الوطنية أنها فعلا حاربت الهدر المدرسي بهذه الربوع ؟ فهنا ، في مجموعات كالإمام مسلم ، إبلاتن ، السعديين ، الجزولي ، الإمام البخاري ، أيت عيسي ، أفرا …يضطر أطفال الدواوير البعيدة خصوصا الإناث إلى مغادرة الفصول الدراسية مبكرا مباشرة بعد الوصول إلى مستوى السادس ابتدائي ، ففي مناطق تعيش العزلة التامة والقاتلة .ينتهي المسار الدراسي للتلميذ فقط في مدرسة الدوار ، حيث أنه ، وفي ظل شبه غياب للداخليات ، طرق صالحة ، سيارات نقل مدرسي مهما كان مصدرها ، وبعد قضاء ست سنوات بالفرعيات البعيدة ومنها فرعيات تنعزل كلية كلما هطلت قطرات قليلة من المطر وترغم الأودية والحشرات السامة الأطفال على البقاء في بيوتهم، في هذه الفرعيات البعيدة ، حيث تغيب أبسط شروط الممارسة التربوية ، بل أن أغلبها مكون فقط من الجدران الأربعة دون ربط كهربائي ، دون مرافق صحية ، دون ماء ، دون سكنيات للأطر التربوية ، منها ، وبعد قضاء ست سنوات ، وحيث أن دراهم تيسير لم تفلح في جعلهم يواصلون ، ينسحب أطفال دواوير عدد من مناطق حاحا ويغادرون الفصول الدراسية للرعي والبحث عن الماء أو الهجرة بعيدا للبحث عن منصب شغل مهما كان وتنسحب الفتيات للزوم البيوت في انتظار زوج .
