الانتفاضة/عزيز مفضال
بعد حصول المغرب على الاستقلال شرعت أول حكومة في رصد الكفاءات المغربية، فكان من نصيب عبد الصمد منصب ديبلوماسي رفيع، إذ عين ملحقا ثقافيا في قنصلية المغرب ببوردو، إلا أن الرجل ظل يتردد على مسارح بوردو وباريس وستراسبورغ ثم موسكو، إضافة إلى مرور عابر ببوينيس أيريس….
سي عبد الصمد الكنفاوي مواليد 13 أبريل 1928 بالعرائش، نشأ في كنف جده في حي القصبة، وتعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في الكتاب ثم التحق بمدرسة فرنسية قرب البيت، فاجتاز المرحلة الإبتدائية والثانوية بامتياز مما خول له الإلتحاق “بكوليج” مولاي يوسف بالرباط التي حاز منه على شهادة الباكالوريا في العام 1951 قبل أن يستكمل دراسته الجامعية في شعبة القانون.
في العام 1953 إلتحق سي الكنفاوي بمصلحة الشباب والرياضة كمنشط بورشات التدريب والتكوين المسرحية التي كان ينظمها مركز “الفلين” بغابة المعمورة.
وبالموازاة مع نشاطه التكويني الذي كان يباشره إلى جانب الطاهر واعزيز والفرنسيين أندريه فوازان وشارل نوغ، إشتغل الكنفاوي قيما على مكتبة المركز، وهو ما أتاح له تعميق مداركه في المجالات التي كان مهتما بها ولاسيما الثقافة الفنية والمسرحية.
حيث حمل العمل المسرحي الأول الذي أنتجه إسم “الشطابة”، تلته أعمال أخرى مستوحاة من أعمال الكاتب المسرحي الفرنسي موليير، وعرضت مختلف هذه الأعمال بالمغرب وباريس غداة حصول المملكة على استقلالها في العام 1956.
نحن الآن في سنة 1961 عبد الصمد يشارك في إضراب تحت لواء الإتحاد المغربي للشغل، إحتجاجا على طرد مجموعة من الديبلوماسيين، ولأن الإضراب حسب «المخزن» ليس من «شيم القناصلة»، فقد غضبت الخارجية من الكنفاوي وغضب هو أيضا منها ليتم تسريحه، ويعود سعيدا إلى الخشبة، لكن إسمه كان ممنوعا في الإذاعة.
عاد الكنفاوي إلى المناصب الحكومية بعد أن هدأت الغضبة، وتقلد منصبا قياديا في مكتب التسويق والتصدير، وكاتبا عاما في فترة ثانية بالصندوق الوطني للضمان الإجتماعي، دون أن يدير ظهره للمسرح، مما أهله لتكثيف نشاطه على مستوى الكتابة وتنظيم المهرجانات الوطنية للهواة سنوات 72/73/74، فسمي رائد الحركة المسرحية بالمغرب، كما اعتبر من المؤسسين الأوائل لفن المسرح بالمغرب من حيث الترجمة والتأليف والإقتباس، حيث إهتم الكنفاوي بتأليف العديد من المسرحيات من أهمها: مسرحية “بوكتف” التي ساهمت في فضح وتعرية الواقع المغربي بمختلف شرائحه الإجتماعية والإقتصادية والسياسية؛ ومسرحية “مولا نوبة” التي مثلت صورة حية للحياة بالإدارة المغربية وما تعرفه من تدهور وإستغلال النفوذ والرشوة، وطرحت ما يتعرض له المواطنون من إبتزاز بطريقة كاريكاتورية فجاءت صورة ناطقة معبرة تعكس ذاتية المؤلف، ومعايشته كمسؤول بالعديد من الإدارات مكنته من رسم شخوصه بدقة في كل أعماله المسرحية”.
وهكذا، ترجم واقتبس “لفوربوري دو سكابان” وكيفه مع الواقع المغربي ليحمل إسم “اعمايل جحا”، فيما باتت مسرحية “تارتوف”، تحمل إسم “السي التاقي”.
وقد ميز هذا التلاقح الذي جمع بين الأصالة والإنفتاح المشهد المسرحي المغربي الصاعد الذي كان له تأثير بالغ في أعمال مسرحيين كالطيب الصديقي وأحمد الطيب لعلج وعبد السلام الشرايبي وإدريس التادلي، وأرسى الفن المسرحي في المشهد الثقافي المغربي.
وسعى الكنفاوي من خلال إلتزامه بالجمال إلى إرساء روابط متينة بين الفن والحياة، وهكذا صالحت أعماله بين القيمة الجمالية والإلتزام والموقف وطبعت الحقبة التي تلت حصول المغرب على استقلاله.
ظل المسرح يسكن عبد الصمد الكنفاوي إلى آخر رمق في حياته، فقد حرص على قراءة آخر الأعمال المسرحية، وسعد بزيارة رجال المسرح أكثر من زيارة كبار المسؤولين له وهو على فراش المرض، بعد أن ظل يخفي آلامه ويصر على ممارسة النضال السياسي والنقابي غير مهتم بالمرض الذي يضرب كبده. فأسدل الستار على فنان أفنى عمره خدمة للطبقة الكادحة مفتخرا أنه كان ينتمي إليها سنة 1976.
وفاء لإسمه غنى لأجله ناس الغيوان مقطعا جاءت فيه عبارة : «سعدات لي رضى عليه الكنفاوي».