الانتفاضة
بقلم محمد السعيد مازغ
بمجرد ما شرعت محطة الحافلات بالصويرة في تعقيم فضاءاتها، وتنظيم عملية الولوج والمغادرة حرصا على سلامة الركاب والعاملين بالمحطة، استعدادا لاستقبال الضيوف ، حتى ارتفعت بعض الأصوات محذرة من النساء الوسيطات في الكراء اليومي لزوار المدينة في الصيف، على اعتبار انهن يقمن بأدوار إضافية تدخل في إطار القوادة والتشجيع على البغاء وغيرها من أحكام قيمة التي تفتقر إلى دلائل وقرائن ملموسة، وبالتالي تفتقد إلى تحليل منطقي يتناول الموضوع من كل جوانبه، مع تحديد المقاصد والغايات وتقييم النتائج والمترتبات.
القهر الاجتماعي وراء خروج النساء بحثا عن لقمة عيش
أغلب النساء ممن يتعاطين السمسرة هن أرامل، ومطلقات وأمهات عازبات، أو متزوجات من رجال أقعدهم المرض، ولم يبق أمام الزوجة خيار إلا إنقاذ الموقف من أجل إعالة الأسرة .. جلهن ينتمين إلى الطبقات الفقيرة الهشة القادمات من ناحية الصويرة، وأغلبهن أيضا تعانين من الأمراض المزمنة، منهن من كانت عاملة بالمصانع، او خادمة البيوت، أو بائعة سمك، خضر أو “هوى ” …. ، نال منهن الزمن، وخارت قواهن ولم تعد لهن القدرة على مواجهة قساوة الحياة ، وغلاء المعيشة، فوجدن في السمسرة سبيلا لتغطية جزء بسيط من حاجياتهن الضرورية، وكسب القوت اليومي غير المنتظم، حيث ترتفع المداخيل في فترة الصيف، وتتلوها فترات الشتاء والخريف التي تأتي على ما إدخرته من عائدات السمسرة، إن كانت بالفعل ممن تُحْسِن التَّصرف وتضع نصب عينيها ” ادْوايْـر الزمن ” ..
جائحة كورونا تعري على القدر، وتكشف عن المستور
في زمن انعكاس جائحة كورونا على السياحة الداخلية والخارجية على السواء، أرجو ممن ينظرون إلى هؤلاء النساء بعين الريبة والإقصاء الإجتماعي، أن يتفضلوا بزيارة تفقدية لأحوالهن وظروفهن المعيشية التي تكشف بالملموس حقيقة الوضع المعيشي لمجموعة من الأسر الصويرية المتضررة، والراضية بقضاء الله وحكمه.
وحتى إن صدر من بعضهن الفعل الشنيع، فلا ينبغي أن يتخذ البعض من ذلك ذريعة لتشويه سمعة مدينة ، ووضع الأسر الصويرية جمعاء في قفص الإتهام، علما أن الخير والشر متلازمان، وقانون العقوبات الزجرية على كل مخالف للقانون مُفَعَّل، ونصوصه صريحة ، إلى جانب الحضور الأمني وجاهزيته للتدخل بمجرد التبيلغ من ساكنة الجوار أو من شاهد عيان عن الحالات التي يرونها مخلة بالحياء أو خارجة عن القانون.
وهنا مربط الفرس، فكثير ممن يتحدثون عن السلوكات الجانحة ويُطالبون بتضييق الخناق على الوسيطات والوسطاء في تأجير البيوت المؤقت، يكتفون ببكاء التماسيح والزعيق ، ولا يكلّفون أنفسهم تحديد ورصد البيوت المفتوحة للدعارة والإبلاغ عنها. حتى يكون ضبطها في حالة تلبس عبرة لمن يعتبر.
البعض فقد البوصلة، سلط الضوء على بيوت الفقراء بدلا من الملاهي الليلية، وبعض الفنادق المصنفة
مسألة القوادة والدعارة، مجرد استثناء وليست قاعدة، فليس كل من يحُلُّ بمدينة الصويرة يبحث على الأوكار وسياحة الجنس، كما أن أغلب الأسر والعائلات يختارون الصويرة لكونها مدينة هادئة محترمة، قلَّما تقع بعض الانفلاتات أو تحدث فيها جرائم واعتداءات على المارة، بفضل طبيعة المدينة الهادئة المسالمة، والخصوصيات التي تميزها عن باقي المدن المغربية.
وأشارت إحدى السيدات:” إن من يتكلمون عن الدعارة والبيوت المخصصة لذلك، فقدوا البوصلة، وبدلا من أن يتحدثوا عما يجري داخل العلب الليلية، وبعض الفنادق المصنفة، والمواخير ، ارتأوا الحائط القصير والأسر الفقيرة والمتوسطة التي تنتعش خلال المناسبات والعطل المدرسية.
وأضافت أن الحياة صعبة للغاية، البعض يكتري شقته، ويبيت عند أحد أفراد العائلة، أو في زاوية من السطح، ومنهم من يحرم نفسه من مشاهدة التلفاز ليوفره للزبون، ومنهم من يكتفي بغرفة واحدة من أجل كراء باقي غرف الشقة، وذلك كله من أجل كسب مدخول مادي حلال يخفِّف عنهم المصاريف اليومية وغلاء المعيشة ، في غياب أي مدخول إضافي أو دعم من أية جهة.
الدعارة في الوقت الحالي : انتحار وموت محقق
إن الظروف تغيرت بشكل كبير، وارتفع مستوى الوعي، وإذا كانت العلاقات الجنسية العشوائية بالأمس، تنجم عنها مجموعة من الأمراض المنقولة جنسيا، كالسيلان، والزهري، أما اليوم، فقد يمكن أن يتعرض الممارس زيادة عن خطر هذه الأوبئة، إلى التهاب الكبد الفيروسي[ ب [، وفيروس نقص المناعة ” سيدا ” ، والأخطر من ذلك جائحة كورونا التي لا ” تبقي ولا تذر “. ، وقد تؤدي لحظة متعة عابرة إلى انتحار وموت محقق,
منافسة الأطفال والشباب والكهول للنساء على أشدها
لم تعد سمسرة البيوت بشكل يومي، مقتصرة على النساء، فقد دخل على خط الوساطة الأطفال والشباب والكهول ، وأصبحت المحطة نقطة صغيرة من بين العديد من النقط التي تعرض فيها خدمات الإيجار المؤقت على الوافدين على المدينة، إلى جانب لجوء البعض إلى التقنيات الحديثة الإلكترونية الخاصة بالإشهار وعقد الصفقات، وجلب أكبر عدد من عشاق مدينة الصويرة.
شهادات من قلب الحدث، تكشف عن حقيقة المعاملات
ظاهرة الكراء اليومي للشقق المفروشة والغرف، تكاد تكون عامة في كل المدن الساحلية وغير الساحلية، وحسب مجموعة من التصريحات التي استقيناها في الموضوع، نستنتج أن الفرق، هو أن بعض السماسرة بمدينة الصويرة ، استأسدوا، وأصبحوا يطالبون من صاحب الشقة خصم نسبة 30 في المائة وما فوق على كل يوم قضاه الزائر ، وبذلك تحول من مجرد سمسار إلى شبه شريك يفرض شروطه على صاحب الشقة، مقابل جلب الزبون إليه.
شهادة أخرى تشير إلى أن النسبة التي يحصل عليها السمسار تختلف حسب الفصول والمناسبات ، ففي فترة الذروة، كالصيف مثلا ، غالبا ما يستفيد الوسيط من عمولة 25 في المائة، وباقي فترات السنة التي يقل فيها الوافدون على المدينة، فإنه يطالب ب 30 في المائة وما فوق، كما يحصل على عمولة إضافية من الزائر المستفيد.
وبذلك إذا تدخل الوسيط في كراء شقة ب 300 درهم لليوم، وقرر الزائر المكوث 10 أيام، فعلى صاحب الشقة أن يسلم للوسيط 90 درهم عن اليوم الواحد، أي ما مجموعه 900 درهم عن العشرة ايام، وكلما ازدادت الأيام، كلما حصل الوسيط على نصيبه إلى غاية الرحيل النهائي عن البيت.
ومن تم ، فقد أصبح من الضروري استحضار مجموعة من العوامل المتحكمة في كراء الشقق اليومي ، واعتبارها شر أو خير لابد منه ، لأن أغلب الأسر الضعيفة تعول على عائدات الكراء، من أجل سد الديون التي عليها من جهة، وادخار بعض النقود لمواجهة المصاريف القادمة مع تكاليف عيد الأضحى، وبداية الدخول المدرسي وما تحتاجه من طعام ودواء.
ومن باب التكافل الإجتماعي، ومراعاة الظروف التي تمر بها البلاد بسبب جائحة كورونا المستجد، على الجميع أن يعمل على المساهمة في تخفيف الأعباء المادية على الساكنة، وتجنب التجريح والاتهامات الباطلة، والحقد والحسد، فأغلب المناوئين للظاهرة، ممن لا يستفيدون من هذا المحصول لسبب من الأسباب، وان يتحمل كل مسؤوليته في احترام القانون، وتجنب كل المخالفات التي تمس بسمعة المدينة وبشرفها.
التعليقات مغلقة.