لماذا التعديل الحكومي على بُعد سنتين من انتخابات 2021؟

الانتفاضة/ عبدالمنعم لزعر، محلل سياسي

التعديل الحكومي هو آلية سياسية وإجرائية تعتمدها غالبية الحكومات، سواء أكانت هذه الحكومات مرتبطة بأنظمة برلمانية أو رئاسية أو شبه برلمانية، وسواء تعلق الأمر بتجارب ديمقراطية أو سلطوية أو دكتاتورية، وذلك لخدمة رهانات تختلف باختلاف السياقات والتجارب، وتحقيق أهداف ومرامي تكون أحيانا داخلية مرتبطة بدائرة الجسد الحكومي والفضاء الرسمي، الذي يتحرك داخله هذا الجسد، وأحيانا تكون خارجية مرتبطة بالتفاعل مع مطالب مجتمعية أو نقد موجه من طرف الرأي العام لمكون أو فاعل حكومي بسبب تقصير أو تجاوز أو ضعف أو ما إلى ذلك، وبالرجوع إلى التجربة المغربية يقدم لنا الإرث المتعلق بحصيلة تفعيل هذه الآلية العديد من التعبيرات، وعلى العموم يمكن التمييز بين أربعة أنواع من هذه التعبيرات؛ النوع الأول، يرتبط باستخدام التعديل كآلية للمحاسبة السياسية والعقاب الرمزي من طرف الفضاء الرسمي، كما حدث في السابق إبان ما عرف بالزلزال السياسي؛ والنوع الثاني، يرتبط باستخدام التعديل كآلية للانتقال من ترتيبات سياسية وحزبية معينة إلى ترتيبات أخرى، كما حدث بعد خروج حزب الاستقلال من الحكومة التي تشكلت بعد انتخابات 25 نونبر 2011؛ والنوع الثالث، يرتبط باستخدام التعديل لإصلاح خلل قطاعي أو تحسين مردودية أداء وزارة من الوزارات أو تبيض صورة الجسد الحكومي التي تكون قد تضررت بسبب فضيحة سياسية أو أخلاقية أو مالية، أما النوع الأخير، الذي نحن بصدده، فهو تعديل يرمي إلى الانتقال من مرحلة مرجعية إلى أخرى، عنوانها الانتقال من نموذج تنموي فاشل إلى آخر مفكر فيه. وكيف تقرأ تعاطي أحزاب الأغلبية مع مطلب التعديل الحكومي؟ بداية، يجب أن أشير إلى أن التعديل الحكومي هو رهان ملكي مرتبط بإعادة ترتيب الأولويات المرجعية الخاصة بالنموذج التنموي، وبالتالي، فإن الأحزاب السياسية المعنية بالتعديل الحكومي هي ملزمة بالانخراط في هذا الرهان، ولا تملك أي هامش للمناورة مادام مطلب التعديل، هو مطلب سيادي صادر عن رئيس الدولة. لذلك، لاحظ المتتبعون بأن عملية التشاور بين أحزاب الأغلبية حول تفاصيل التعديل تتم في سرية وفي صمت تام، باستثناء بعض ردود الأفعال التي لا يمكن اعتمادها كمؤشرات لافتراض قراءات معاكسة، وهو ما يعني في ظل ما توفر من معطيات راهنة أن لعبة صناعة التعديل الحكومي أو الصيغة الجديدة للحكومة ستكون لعبة تعاونية بين مختلف مكونات الحكومة. وعندما أتحدث عن لعبة تعاونية، فهذا يعني أن الأطراف السياسية المشكلة للتحالف ستلجأ إلى الحوار والتوافق حول كل الترتيبات الخاصة بتفعيل الإرادة الملكية حول التعديل. هل تتفق حول أن التعديل سيكون على حساب السياسيين وموقعهم في الحكومة لصالح التكنوقراط؟ حضور التكنوقراط في هذا التعديل من عدمه، هو مرتبط أولا، برهانات الفضاء الرسمي الذي تتحرك داخله الحكومة، وهي رهانات ينظر إليها باعتبارها أحد المحددات المهمة في لعبة صناعة الحكومات والتعديلات التي تدخل عليها، وعندما أتحدث عن الرسمي، فأنا أتحدث عن رهان الدولة، والحكومة هي جزء من هذا الرهان، كما قلت، فإن التعديل الحكومي يرمي إلى الانتقال من مرجعية إلى أخرى على المستوى التنموي، وهناك إشارات لضرورة تدشين انتقالات موازية على مستوى الكفاءات ومراكز المسؤولية. وهنا يطرح السؤال، ما هو موقع السياسي والتكنوقراطي في هذه الانتقالات؟ الجواب مرتبط بمحصلة لعبة أخرى تجري داخل الفضاء الرسمي بين النخب السياسية والنخب الإدارية. كيف تقرأ التعديل المنتظر في صلته بالانتخابات المقبلة؟ رهانات وهاجس الانتخابات التشريعية المقبلة حاضرة بقوة منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية لسنة 2016، كما أن هناك مؤشرات مقلقة على مستوى منسوب الثقة بين المجتمع والمؤسسات، وبين الشباب والسياسة، وقد مدنا الدرس التونسي ببعض الخلاصات حول بداية نهاية دور الأحزاب السياسية في شمال إفريقيا، في ضوء هذه المؤشرات يمكن النظر إلى التعديل الحكومي، باعتباره أحد الحوافز الرسمية التي سيكون أحد رهاناتها الإعداد للانتخابات المقبلة، وهو في نظري سيكون أبرز تحد ستواجهه هذه التجربة. بلغة الربح والخسارة، هل ترى أن التعديل سيكون على حساب “البيجيدي” و”pps أساسا؟ ارتباطا بفرضية اللعب التعاوني التي اعتمدت كأساس لتحليل تفاصيل هذا التعديل، يمكن القول بأن هناك العديد من الخيارات التي يتيحها اللعب التعاوني، على عكس اللعب غير التعاوني، أي أن هناك خيار اقتسام شركاء الأغلبية تكلفة الخسارة وعائد الربح، وهناك خيار آخر قد يدفع بعض الأطراف إلى تفضيل خسارة حقائب وزارة مقابل تحقيق عوائد سياسية، وهناك خيار آخر قد يفرز بتأثير من بعض رهانات الانتخابات المقبلة. وبناء عليه، فإن وضع كل من حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية وحصيلتهما من وراء هذا التعديل، لن تخرج عن هذه الخيارات، لماذا؟ لأن السياق والرهانات التي تتحرك داخله تحفز على اللعب التوافقي، كما أن العقل السياسي على مستوى كل الحزب بدأ يطبع مع تلك الاستراتيجيات التي تعتمد على الاستثمار السياسي المفتوح على كل الخيارات.

التعليقات مغلقة.