الانتفاضة/مصــطفى غَــلْمَـان
1 ـ
سلاح الكلاشينكوف الذي نفذ به العملية الإرهابية المتطرف الوحشي الأسترالي على أشخاص مسالمين يمارسون شعائرهم الدينية بمسجدين بنيوزيلاندا هو قطعة وحيدة في منظومة أسلحة أخرى توجهها الحكومات الغربية بأشكال متعددة، ضدا على كل الالتزامات السياسية المصرح بها.
العقل الغربي لا زال لم يستوعب بعد مستوى الصراع الحضاري والديني الناتج عن تراكمات تاريخية مخيفة. وثمة ما يبرر هذا التفكير ما دام التمييز القيمي في العلاقات الدولية حاضرا بقوة، من فيتو مجلس الأمن الدولي، إلى المكائد الجهنمية لاختراقات أجهزة الاستخبارات لمنظوماتنا التعليمية والثقافية والسياسية والمالية ..
الصور التي نشرها الإرهابي القاتل مباشرة من معقل عمليته الإجرامية البشعة تؤكد تورط من له الحيلة والبأس الشديد في منع استمرار المذبحة واختراقها مجال السيبرانية الدولية.
الغرب يكرهنا يا سادة !!
ليس هناك ما يمنعني من التنديد باستمرار حجب الحقيقة.
والاقسى أن النخب العربية المتعقلة لا تزال مصدومة بطريقة معالجة مفهومية العقل الآخر.
ليس هناك ما ينصفني كمواطن ومثقف مغربي سوى الاعتراف بتواطؤنا جميعا حيال هذا الفهم المتأخر لقيم الغرب التي تحرض على الميز الفج والكيل المخل والأخلاق الموجهة وسياسة التذويب و”التغراق”.
بالإضافة إلى إدانتي الشديدة للعمل الإرهابي اليوم وفي كل التواريخ ودون تمييز عقدي أو ايديولوجي أو ديني أو فكري، فإنني أدعو الصف الحداثي التنويري العقلاني في الراهن الثقافي الغربي إلى دحض نظرية التطرف والهمجية الغربية تجاه المسلمين الأحرار المؤمنين بالعيش المشترك وبمبادئ الوحدة الإنسانية وحرية التعبير والاعتقاد والتنقل. كما أدعوهم إلى تشكيل لحمة واحدة لنصرة قضايا السلم والسلام والمحبة، وتحصين كل المبادرات والمشاريع الثقافية الكونية من ردة التطرف وإشعال الحروب ونشر الكراهية والحقد الأعمى.
2 ـ
ليعذرني المفكر الفيلسوف طه عبد الرحمان لاستعمال مصطلح ” الإمعية” التي هي التبعية إلى الغير عندما يفقد كل فرد واجبه الأخلاقي، وتذهب مروءته. ومقامها هنا بالمقارنة الأخلاقية السياسية انتقال التبعية التقليدية إلى تبعية انتحالية انتحارية، يفقد فيها المقلد شخصيته وحضوره الإرادي وعقله المميز، فيصبح عقله الناسخ رهين توهمات ونوازع غارقة في التخفي والركون إلى الفرية واستبطان الماضي.
لا نفعل شيئا إزاء هذا العقل الجامد سوى إلغاء سلطة المعرفة والتمكين لرمزية ونموذجية الآخر من الاستحواذ على مدخرات التاريخ وجوهر قيمه وإنسانه وهويته الناظمة.
ومع كل ذلك نقاوم تأخر فهمنا للانتقالية المكارثية وفظاعة التعتيم الذي مورس على مرحلة غامضة من تاريخنا المأسور بمنطق التداعي والانهيار والتحريف المتعمد. ويمكن هنا الحديث بشكل احترازي عن حضارة الأندلس، ومن خلالها العصر الذهبي لإنتاج العلوم والمعارف، حيث ابن رشد وابن عطية وأبو حيان الاندلسي وابن البيطار وعباس بن فرناس والقرطبي وابن عربي وابن الهيثم ..إلخ.
إن التعتيم المفروض على مناهجنا الدراسية وطرق التحول الجديدة في ظل هجوم الأشكال المتطورة للصورة والميديا، والطفرة الرقمية القاصمة التي فلقت تفكيرنا إلى أشطر معيقة للتصورات المرجعية التي نستهلكها يوما عن يوم، يسهم لا محالة في إرادة اختياراتنا وتوجهاتنا المستقبلية.
لا أستطيع مسح كل الفروقات التي تغشانا في ظل الصراع المتواتر الذي أضحى يحكم علاقتنا بالغرب، مع ما يقتضيه هذا الحكم التفاعلي من استحضار لجملة أنساق وبنى ثقافية وسوسيوسياسية تؤكد استمرار التوتر وتعاظم الفجوات بين ما يتطلبه الحديث عن الحوار وضرورته الاستراتيجية، خصوصا بعد الاكتشافات المهولة، والاعترافات المخزية التي يؤكدها خبراء وديبلوماسيون وصناع قرار في الغرب، تتعلق بمصير العلاقة المرتبكة بين الغرب والمسلمين، واستنزاف الوقت تحت طائلة الضغط والاستبداد وهدم الثقة واستعمال الوسائل الحقيرة لأجل التغطية على منزلقات سياسية تورط الغرب في شتى أنواع الحروب وإعاقة التنمية وإحلال السلام العالمي، واحتضانه للمنظمات المتطرفة الإرهابية، وتدخلاته السافرة في شؤون الدول بغرض التقسيم وإشاعة الفوضى وترسيم أنظمة جديدة تدعو للتقسيم والانفصالية وتقرير مصير الأقليات والأعراق والهويات المتعددة.
3 ـ قبل الختم:
لا عقلانية مجردة من الأخلاقية. العقلانية مشمولة بالأخلاق، وحدة لا تتجزأ. ومن قال غير ذلك تساوق مع الحيوانية وتمنطق بها .
وبعد ذلك؛ أفندرك العقلانية بوازع التمسح بالتطهر والطهرانية أم بالإيمان الاختياري الذي يحصل اليقين بنفعها وجدواها. ؟؟!
هامش
* ” روح الحداثة، المدخل إلى تأسيس الحداثة الإسلامية ” طه عبد الرحمان، المركز الثقافي العربي، البيضاء ط1، 2016، ص 114
التعليقات مغلقة.