بعد ان امتدت رقعة التجاوب الجماهيري مع حملات المقاطعة واصبحت في حاجة ملحة للاسناد الفكري والسياسي، طلعت علينا بعض التحليلات هنا وهناك تسير كلها في اتجاه شيطنة هذه المعركة والتنقيص من مصداقيتها، بدعوى انها اقتصرت على بعض المنتوجات والخدمات بعينها دون اخرى، ولاعتبار هذه الحملة لا تخدم في شيىء الطبقات الشعبية التي لا تستهلك اصلا تلك المنتوجات، وان الامر يهم فقط الطبقات المتوسطة التي يعتبرها البعض قاعدة انتخابية للاصولية المخزنية، وكل ما يحركها في هذه المعركة هو مجرد تصفية الحسابات بين الأقطاب السياسية “المتصارعة” على الكعكة الحكومية وغيرها من الاستنتاجات والمسوغات.
وهذا في تقديري تحليل سطحي بامتياز، ينم عن ضعف وعجر تام عن الفعل في الواقع المتغير من جهة، والتعالي وعدم القدرة على الانخراط في المبادرة من جهة اخرى، ومن تم توسيع نطاق ومجال معركة المقاطعة واعطاءها المضمون الاقتصادي والاجتماعي المعبر عن تطلعات الشعب، ومن خلالها فضح ومواجهة الاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية للطبقة الحاكمة.
وبما ان هذه المعركة لا تحتاج الى قرار سياسي استثنائي ولا الى اعلان مسبق، لان ذلك من صميم النضال اليومي المفترض ان ينخرط فيه كل الديمقراطيون، فان معركة اليوم محددة في هذف وهو تخفيض اسعار البنزين والحليب والماء مما قد يعيد بعض التوازن للتماسك الاجتماعي الذي انهكته سياسة تحرير الاسعار والعملة.
كما ان هذه معركة فرصة لاختبار الامكانات والقدرات الجماهيرية في الصمود والضغط على الحكومة للتراجع عن سياسة التقشف المعادية لمصالح الطبقات الشعبية، ونجاحها بلا شك سيفتح افاق نضالية واسعة بطعم الانتصار للمطالبة بالمزيد.
اما اقدام بعض التدوينات على كيل الاتهامات للطبقات المتوسطة بكونها هي المستفيذة من هذه المقاطعة “المشكوك في امرها” في ما نجد بان الطبقة الوسطى هي التي تناصر اليسار في الكثير من القضايا والمواقف المتنورة، ومن الخطا اعتبار هذه المقاطعة الشعبية الواسعة هي في خدمة الاصولية المخزنية.
ان هذا الاسلوب الحضاري الراقي والتلقائي لا يحتاج الى كثير من التنظير او طوابع ملونة وبيانات مدبجة بالشعارات، والقاء الخطب من فوق المنصات، بقدر ما يحتاج الى افكار نيرة وطرق جديدة للتعبير والابداع في الدفاع عن الحق، اما الاكتفاء بالمراقبة عن بعد وانتظار الذي يأتي ولا يأتي بدعوى عدم وضوح الاهداف وعدم الإفصاح عن الجهات الداعية، وان الامر يتعلق بدعوة وجهت في الفضاء الاجتماعي الذي لا يعدو ان يكون مجال للتواصل والاخبار، مع العلم انه عبر هذا الفضاء نفسه تم الاعلان عن شرارة العشرين من فبراير المجيدة بالرغم وجود الفارق، لان معركة المقاطعة هذه لا تحتاج الى لا الحشد الجماهيري ولا الخروج في المسيرات والمظاهرات، وانما هي سلوك فردي يمارس بمعزل عن الاخر وبشكل تلقائي ممتد في الزمن حتى تتحقق مطالبها.
والى ان تعلن قوى مناضلة يسارية مناصرة لهذه المطالب المشروعة عن معاركها النضالية، وتقود بنفسها انذاك الاشكال النضالية التي تراها مناسبة، والى ذلك الحين فلا يسعنا الا ان ننخرط في معركة المقاطعة هذه ولن نسمح بان نخلف الموعد مع التاريخ مرة اخرى كفى من الانتظارية!
التعليقات مغلقة.