استطاعت كورونا أن تصدم كيان الحضارة الإنسانية المعاصرة، وأدت إلى تحولات عميقة جدا في مختلف المجالات والميادين، و في مجال التعليم دقت نواقيس الخطر إن لم نواكب التغيير…دعونا نعترف أننا في عصر الثورة العلمية و التكنولوجية المتدافعة و المتسارعة بشكل كبير جدا ، عصر انتفاضة العقل الإنساني في مجال المعارف و العلوم حيث أصبحنا نشهد زوال الحدود الفاصلة بين الإنسان والأشياء (صوفيا اليابانية نموذجا) و لم تعد هناك حدود للمكان و لا للزمان ( ثورة الأنترنت ).
نحن اليوم في عصر التعليم المعزز بالواقع الإفتراضي ، حيث يمكن للمتعلم وهو جالس في مكانه أن يتجول في أعماق البحر و أن تنقله ليتجول في بلد أو مدينة ما، ويمكنه أيضا أن يتجول في الدورة الدموية … و بإمكان الشخص أن يضع آلة على رأسه فيصبح كما لو أنه يحمل غوغل على رأسه بحيث يمكنه الإجابة عن جميع الأسئلة في جميع الميادين…
ومن جهة أخرى تبين الدراسات الحديثة أن %65 من الأطفال الذين نعلمهم اليوم سيعملون بوظائف غير موجودة حاليا وأن مجموعة كبيرة من الوظائف اليوم ستتغير أو ستنتهي….وأن المهارات التي أضحت مطلوبة اليوم هي القدرة على الإبداع و المبادرة وحل المشكلات و البرمجة و أنترنت الأشياء…فأين مدارسنا من كل ذلك؟
أيقضنا فيروس كورونا فجأة ووجدنا أنفسنا أمام الأزمة مضطرين للجوء للتعليم عن بعد وما يتطلبه من استعمال للوسائل الإلكترونية، فكثر النقاش حول ذلك بين مؤيد و منتقد ورافض، ولكن كل تلك الإنتقادات كان سببها هو أننا لم نقم بشيء جديد بل فقط تم نقل التعليم التقليدي وتحويله إلى تعليم تقليدي عن بعد ليس إلا ، ما عدا بعض الإبداعات التي تعد على الأصابع من هنا وهناك من طرف بعض الفاعلين التربويين المتمرسين في التعليم الإلكتروني الذي لا يجب بالضرورة أن يكون عن بعد بل عن بعد وحضوري أيضا..
لست أبالغ إن قلت أن مدارسنا التقليدية ستصبح خارج سياق العصر ، بل ستموت إن هي لم تبادر بفعل تغييرات جذرية في المقررات وطرائق التدريس و إن هي لم تفطن إلى جعل الحياة المدرسية بجميع تفاصيلها تشجع على الإبداع و المبادرة والقدرة على حل المشكلات واكتساب المهارات التواصلية واللغوية والقدرة على مسايرة التغيير الذي بات السمة الأساسية لهذا العصر.
التعليقات مغلقة.